وهذا من "البقاعيّ " أصل عظيم من أصول التأويل البيانيّ للقرآن الكريم، ناظر إلى منزل السياق والغرض المنصوب له الكلام في فقه المعنى وتذوق البيان، ودالٌّ على أنّ البيان القرآنيّ لايقوم فيه تكرار عقيم بل هو إلى التصريف البياني في تصوير المعاني مما يمنح المتلقي فيضًا من العطاء الدلالي يدفع عنه غائلة الملل والسأم، فهو البيان الذي لايخلق على كثرة الرّد، ولا تنتهي عجائبه.
ومما قاله في تأويل القصص في سورة " الأعراف":
" واعلمْ أنَّه لاتكرير في هذه القصص، فإنَّ كلّ سياقٍ منها لأمر لم يسبق مثله، فالمقصود من قصّة " موسى" عليه السلام، و" فرعون" عليه اللعنة والملام هذا الاستدلال الوجوديّ على قوله:" وإنْ وجدنا أكثرهم لفاسقين "
ومن هنا تعلم أن سياق قصّة بني إسرائيل بعد الخلاص من عدوّهم لبيان إسراعهم في الكفر ونقضهم للعهود.
واستمرّ - سبحانه وتعالى - في هذا الاستدلال إلى آخر السورة، وما أنسب " قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ (الأعراف: ١٧٢) لقوله - عز وجل -: ﴿وَمَا وَجَدْنَا لأََكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ﴾ (الأعراف: ١٠٢)
وذكر في أوّل التي تليها [سورة الأنفال] تنازعهم في الأنفال تحذيرًا لهم من أن يكونوا من الأكثر المذمومين في هذه.
هذا بخلاف المقصود من سياق قصص بني إسرائيل في " البقرة" فإنّه هناك للاستجلاب للإيمان بالتذكير بالنعم؛ لأنّ ذلك في سياق خطابه - سبحانه - لجميع النّاسِ بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: ٢١)


الصفحة التالية
Icon