﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (البقرة: ٢٨)
وما شاكله من الاستعطاف بتعدّد النّعمِ ودفعِ النّقَمِ. والله أعلم " (١)
فهذ دالّ دلالة بيّنة على أنّه يرى سياقًا خاصًّا لكل قصّة ولكل جانب/مشهد من جوانبها هو الذي يقتضي أن تكون هذه القصة هنا وأن يكون هذا الجانب منها، وأن يكون نظمها على هذا النحو.
***
ومما هو معنيّ ببيانه ترتيب أحداث القصص القرآني، وبيان أنّ معيار ترتيبه ليس التوالي الزمنيّ للأحداث في الواقع بل السياق والغرض العام من البيان هو الذي يقضي بتقديم الإنباء بحدث مقدما على الإنباء بحدث قد سبقه في الوقوع.
ترى شيئًا من هذا في أول قصة وردت في السياق الترتيلي للقرآن الكريم: قصة أبينا آدم - عليه السلام - في سورة " البقرة":
جاء الإنباء عن أمر الملائكة بالسجود لآدم - عليه السلام - بعد الإنباء عن تعليمه الأسماء وإخبار الملائكة بما لم تعلم.
ومقتضى الظاهر عنده أنَّ السجود كان أولا، وكان أمر الملائكة بأن تنبئ بأسماء الأشياء من بعده في واقع الأمر، وجاء البيان القصصيّ على غير ذلك، يقول:
" مشى "البيضاويّ " على أنَّ الأمر بالسجود كان بعد الإنباء بالأسماء، ولم يذكر دليلا يصرفُ عن هذا الظاهر (٢)
(٢) - يقول البيضاوي في تفسيره (أنوار التنزيل) :" ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾ لمّا أنبأهم بالأسماء وعلمهم ما لم يعلموا أمرهم بالسجود له اعترافًا بفضله وأداء لحقه، واعتذارًا عمّا قالوا فيه ٠
وقيل امرهم به قبل أنْ يسوذي خلقه لقوله - سبحانه وتعالى - ﴿فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾ امتحاناً لهم وإظهارا لفضله " (أنوار التنزيل - ج٢ ص١٣٠
ويعلق " الشهاب الخفاجي في حاشيته "عناية القاضي (٢/١٣٠) على قول البيضاوي (وقيل أمرهم... ) :" والمصنف رحمه الله تعالى أشار [أي بقوله: قيل] إلى عدم ارتضائه، ولم يشر إلى جواب استدلاله بالآية [أي فقعوا] وهو أنّ الفاء الجوابية لاتقتضي التعقيب وكما في قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله﴾ فإنه لايجب السعي عقبه...."