على أنَّ المشيَ عليه أولى من جهة المعنى؛ لأنَّ سجود الملائكة - عليهم السلام - قبلُ [أيْ قبل إظهار فضيلة العلم لآدم - عليه السلام -] يكون إيمانًا بالغيب على قاعدة التكليف، وأمَّا بعد إظهار فضيلة العلم، فقد كشف الغطاء، وصار وجه الفضل من باب عين اليقين.
وأمَّا الترتيب في الذكر هنا على هذا الوجه، وهو جعل السجود بعد الإنباء، فهو لنكتة بديعة:
وهي أنَّه - سبحانه وتعالى - لمَّا كان في بيان النعم التي أوجبت شكره باختصاصه بالعبادة لكونه منعمًا، فبيَّن أولاً نعمته على كلّ نفسٍ في خاصتها بخلقها، وإفاضة الرزق عليها [يشير إلى الآيات: ٢١-٢٢]
ثُمَّ ذكّر الكلّ بنعمة تشملهم، وهي محاجته لأقرب خلقه إذ ذاك إليه عن أبينا آدم - عليه السلام - قبل إيجاده اقتضى الأسلوب الحكيم أن يوضح لهم الحجة في فضيلة هذا الخليفة، فذكر ما آتاه من العلم، فلمَّا فرغ من محاجتهم بما أوجب إذعانهم ذكّر بنيه بنعمة السجود له، فما كان تقديم إظهار فضيلة العلم إلا محافظة على حسن السياق في ترتيب الدليل على أقوم منهاج وأوضح سبيل " (١)
يبرز "البقاعيّ" كما ترى أثر السياق والغرض المنصوب له الكلام في النظم الترتيبيّ لأحداث القصة، وكيف أنَّهما قد يقتضيان تقديم حدث في الذكر على حدث مقدَّم في وقوع القصة، فالأعتداد بما يقتضيه الحال والمقام
***

(١) - نظم الدرر: ١/٢٨٠


الصفحة التالية
Icon