كلهم قد أسلموا وبنوا المساجد، ليس فيها مدينة أو قرية، ولا حلة للأعراب إلا قرئ فيها القرآن في الصلوات وعلمه الصبيان والرجال والنساء٠ثم مات أبو بكر وولي عمر ففتحت بلاد الفرس، وفتحت الشام والجزيرة ومصر، ولم يبق من هذه البلاد مدينة إلا وقد بنيت فيها المساجد، ونسخت المصاحف، وقرأ الأئمة القرآن، وتعلمه الصبيان في المكاتب شرقاً وغرباً"١. ٦.
وإذا كان بعض العلماء يعد عام (٤٥٩هـ) حداً فاصلاً بين عهدين في تاريخ المؤسسات التعليمية الإسلامية، ففي هذا العام أنشئت المدرسة النظامية في بغداد، مؤذنة ببداية عهد تعليمي جديد، انتقلت فيه أماكن التعليم من الكتاتيب والقصور والمساجد، ودور الحكمة، وحوانيت الورّاقين ومنازل العلماء، إلى المدارس المنظمة، فإن هذا لا يقلل من دور المسجد بوصفه أول مؤسسة انطلق منها شعاع العلم والتعليم في الإسلام على كافة البشر، حيث كان يلتقي فيه الطلاب بالعلماء: يناقشون، ويتحاورون فيما يعنّ لهم من مشكلات ومسائل فقهية، أو علمية بحتة، حتى قيل بحق: إن آلاف أعمدة المساجد التي كانت منتشرة في الإسلام كانت محاطة بآلاف من العلماء المسلمين، وعشرات الآلاف من المتعلمين٢.
ومنذ العهد الأول - عهد مدارس المساجد - انتشرت مدارس القرآن والقراءات في جميع الأقطار الإسلامية وصار التنافس العلمي الشريف دافعاً لطلاب تلك المدارس إلى التفوق والإبداع العلمي في مجال علم القراءات.
٢ انظر: الدور التربوي للمسجد د. فرغلي جاد ص ١٤٣ من مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الكويت – العدد السادس ١٤٠٦ هـ ربيع أول.