تعليم الجمل يفتقر إلى الزمان الطويل، وتذكارها يكون في لحظة، ومن تمام النية أن تكون مستصحبة على الصلاة كلها، إلا أن ذلك لما كان أمرا يتعذر عليه سمح الشرع في عزوب النية في أثنائها.
سمعت شيخنا أبا بكر الفهري بالمسجد الاقصى يقول قال محمد بن سحنون: رأيت أبي سحنونا ربما يكمل الصلاة فيعيدها، فقلت له ما هذا ؟ فقال: عزبت نيتي في أثنائها فلاجل ذلك أعدتها.
قلت: فهذه جملة من أحكام الصلاة، وسائر أحكامها يأتي بيانها في مواضعها من هذا الكتاب بحول الله تعالى، فيأتي ذكر الركوع وصلاة الجماعة والقبلة والمبادرة إلى الاوقات، وبعض صلاة الخوف في هذه السورة، ويأتي ذكر قصر الصلاة وصلاة الخوف، في " النساء " (١) والاوقات في " هود (٢) وسبحان (٣) والروم (٤) " وصلاة الليل في " المزمل (٥) " وسجود التلاوة في " الاعراف (٦) "
وسجود الشكر في " ص (٧) " كل في موضعه إن شاء الله تعالى.
الثانية والعشرون - قوله تعالى: (ومما رزقناهم ينفقون) رزقناهم: أعطيناهم، والرزق عند أهل السنة ما صح الانتفاع به حلالا كان أو حراما، خلافا للمعتزلة في قولهم: إن الحرام ليس برزق لانه لا يصح تملكه، وإن الله لا يرزق الحرام وإنما يرزق الحلال، والرزق لا يكون إلا بمعنى الملك.
قالوا: فلو نشأ صبي مع اللصوص ولم يأكل شيئا إلا ما أطعمه اللصوص إلى أن بلغ وقوي وصار لصا، ثم لم يزل يتلصص ويأكل ما تلصصه إلى أن مات، فإن الله لم يرزقه شيئا إذ لم يملكه، وإنه يموت ولم يأكل من رزق الله شيئا.
وهذا فاسد، والدليل عليه أن الرزق لو كان بمعنى التمليك لوجب ألا يكون الطفل مرزوقا، ولا البهائم التي ترتع في الصحراء، ولا السخال من البهائم، لان لبن أمهاتها ملك لصاحبها دون السخال.
ولما اجتمعت الامة على أن الطفل والسخال والبهائم مرزوقون، وأن الله تعالى يرزقهم مع كونهم غير مالكين علم أن الرزق هو الغذاء ولان الامة مجمعة على أن العبيد والاماء مرزوقون،

(١) راجع ج ٥ ص ٣٥١ فما بعد.
(٢) راجع ج ٩ ص ١٠٩ فما بعد.
(٣) راجع ج ١٠ ص ٣٠٣ فما بعد.
(٤) راجع ج ١٤ ص ١٤ فما بعد.
(٥) راجع ج ١٩ ص ٥١ فما بعد.
(٦) راجع ج ٧ ص ٣٥٧ فما بعد.
(٧) راجع ج ١٥ ص ١٨٣.
(*)


الصفحة التالية
Icon