فليس مما لا بد منه أو لا غنى عنه ما ينقله عن كعب الاحبار: " أن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الارض كلها، فألقى في قلبه فقال: هل تدري ما على ظهرك يا لوثيا (١) من الامم والشجر والدواب والناس والجبال ! لو نفضتهم ألقيتهم عن ظهرك أجمع.
قال: فهم لوثيا بفعل ذلك، فبعث الله دابة فدخلت في منخره، فعج الى الله منها فخرجت (٢)...".
وليس مما لا بد منه: " أن الحية كانت خادم آدم عليه السلام في الجنة فخانته بأن مكنت عدو الله من نفسهاوأظهرت له العداوة هناك، فلما هبطوا تأكدت العداوة وجعل رزقها التراب (٣) ".
وليس مما لا بد منه ما يرويه عن ابن عباس قال: " سألت اليهود النبي ﷺ عن الرعد ما هو ؟ قال: ملك من الملائكة معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله (٤) ".
وليس مما لا بد منه ما ذكره عن كلب اصحاب الكهف والاختلاف في لونه وفي اسمه (٥).
ولا ما يرويه عن الزهري في قوله تعالى " جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ": أن جبريل عليه السلام قال له: يا محمد لو رأيت إسرافيل إن له لاثنى عشر ألف جناح، منها جناح بالمشرق، وجناح بالمغرب، وإن العرش لعلى كاهله، وإنه في الاحايين ليتضاءل لعظمة الله حتى يعود مثل الوصع (٦)...".
ولا ما ذكره في قوله تعالى: " ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ": أن فوق السماء السابعة ثمانية أوعال (٧) بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء، وفوق ظهورهن العرش (٨) ".
(٢) راجع ج ١ ص ٢٥٧.
(٣) ج ١ ص ٣١٣.
(٤) ج ١ ص ٣٢٧.
(٥) راجع ج ١٠ ص ٣٧٠.
(٦) ج ١٤ ص ٣٢٠ والوصع: عصفور صغير.
(٧) الاوعال: جمع وعل، وهو التيس الجبلي.
(٨) ج ١٨ ص ٢٦٧.
(*)
فيه منتى (١)، بأن أكتب تعليقا وجيزا، يتضمن نكتا من التفسير واللغات، والاعراب والقراءات، والرد على أهل الزيغ والضلالات، وأحاديث كثيرة شاهدة لما نذكره من الأحكام ونزول الآيات، جامعا بين معانيهما، ومبينا ما أشكل منهما، بأقاويل السلف، ومن تبعهم من الخلف.
وعملته تذكرة لنفسي، وذخيرة ليوم رمسي، وعملا صالحا بعد موتي.
قال الله تعالى: " ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر (٢) ".
وقال تعالى: " علمت نفس ما قدمت وأخرت (٣) ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ".
وشرطي في هذا الكتاب: إضافة الأقوال الى قائليها، والأحاديث الى مصنفيها، فإنه يقال:
من بركة العلم أن يضاف القول الى قائله.
وگثيرا ما يجئ الحديث في كتب الفقه والتفسير مبهما، لايعرف من أخرجه إلا من اطلع على كتب الحديث، فيبقى من لاخبرة له بذلك حائرا، لايعرف الصحيح من السقيم، ومعرفة ذلك علم جسيم، فلا يقبل منه الاحتجاج به، ولا الاستدلال حتى يضيفه الى من خرجه من الأئمة الأعلام، والثقات المشاهير من علماء الإسلام.
ونحن نشير الى جمل من ذلك في هذا الكتاب، والله الموفق للصواب.
وأضرب عن كثير من قصص المفسرين، وأخبار المؤرخين، إلا مالا بد منه ولا غنى عنه للتبيين، واعتضت من ذلك تبيين آي الاحكام، بمسائل تفسير عن معناها، وترشد الطالب الى مقتضاها، فضمنت كل آية لتضمن حكما أو حكمين فما زاد، مسائل نبين فيها ما تحتوي عليه من أسباب النزول والتفسير الغريب والحكم، فإن لم تتضمن حكما ذكرت ما فيها من التفسير والتأويل، هكذا الى آخر الكتاب.
وسميته ب (الجامع لأحكام القرآن، والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان)، جعله الله خالصا لوجهه، وأن ينفعني به ووالدي ومن أراده بمنه، إنه سميع الدعاء، قريب مجيب، آمين.
(٢) آية ١٣ سورة القيامة.
(٣) آية ٥ سورة الانفطار.
(*)