إلى غير ذلك من الامثلة التي ترد في مناسبات مختلفة، جارى فيها من سبقه من المفسرين الذين ينقلون عن الاسرائيليات ولا يتحرون الدقة في المعلومات الكونية، خصوصا في الكلام على خلق السموات والارض، وتأويل الايات التي تتعرض للظواهر الطبيعية، أو تشير إلى المسائل العلمية.
وللمؤلف في ذلك كثير من العذر، لانه - رحمه الله - تابع فيه ثقافة عصره، وما تجري به ألسنة العلماء في ذلك الزمان.
وقد رأت الدار - بعد أن تحققت حاجة الناس إلى هذا الكتاب، ورغبة الكثير من العلماء في الاقطار الاسلامية في ذيوعه - أن تقرر إعادة طبعها تعميما للفائدة.
هذا وسيرى القارئ أننا حرصنا على أن تكون هذه الطبعة موافقة لسابقتها في أجزائها وصفحاتها وأرقامها، إلا في تفاوت يسير، يستطيع القارئ أن يدركه في الصفحة التالية أو السابقة.
كما أننا نبهنا في هذه الطبعة إلى أمر لم يكن في سابقتها، فعندما يذكر المؤلف عبارة: (على ما يأتي بيانه) نوضح ذلك في الهامش، مبينين موضعه من الكتاب حتى يسهل على القارئ متابعة الدراسة، وربط الكلام بعضه ببعض، دون جهد أو عناء.
ولا يفوتني أن أنوه بفضل حضرات الزملاء الذين اشتركوا معي في تصحيح هذا الكتاب في طبعته الاولى بعد جزئه الرابع، وهم السادة: الشيخ إبراهيم اطفيش، والشيخ بشندي خلف الله، والشيخ محمد محمد حسنين.
والله المسئول أن ينفع بهذا التفسير الجليل، وأن يجزي مؤلفه خير الجزاء، وأن يعين القائمين بنشر التراث الاسلامي من أمثال هذا الكتاب العظيم.
وأن يوفق " الدار " في تأدية رسالتها حتى تنهض بهذا العبء الكبير، وتقدم للعالم أجمع خير تراث تركه الاقدمون.
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصخابته أجمعين.
مصححه أحمد عبد العليم البردوني ١٦ من المحرم سنة ١٣٧٢ (٦ من أكتوبر سنة ١٩٥٢).
باب ذكر جمل من فضائل القرآن، والترغيب فيه، وفضل طالبه وقارئه ومستمعه والعامل به اعلم أن هذا الباب واسع كبير، ألف فيه العلماء كتبا كثيرة، نذكر من ذلك نكتا تدل على فضله، وما أعده الله لأهله، إذا أخلصوا الطلب لوجهه.
وعملوا به.
فأول ذلك أن يستشعر المؤمن من فضل القرآن أنه كلام رب العالمين، غير مخلوق، كلام من ليس كمثله شئ، وصفة
من ليس له شبيه ولا ند، فهو من نور ذاته جل وعز، وأن القراءة أصوات القراء ونغماتهم، وهي أكسابهم التي يؤمرون بها في حال إيجابا في بعض العبادات، وندبا في كثير من الأوقات، ويزجرون (١) عنها إذا أجنبوا، ويثابون عليها ويعاقبون على تركها.
وهذا مما أجمع عليه المسلمون أهل الحق، ونطقت به الآثار، ودل عليها المستفيض من الأخبار، ويتعلق الثواب والعقاب إلا بما هو من أكتساب العباد، على ما يأتي بيانه.
ولولا أنه - سبحانه - جعل في قلوب عباده من القوة على حمله ما جعله، ليتدبروه وليعتبروا به، وليتذكروا ما فيه من طاعته وعبادته، يقول - تعالى جده - وقوله الحق: " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله (٢) ".
فأين قوت القلوب من قوة الجبال ! ولكن الله تعالى رزق عباده من القوة على حمله ما شاء أن يرزقهم، فضلا منه ورحمة.
وأما ما جاء من الآثار في هذا الباب - فأول ذلك ما خرجه الترمذي عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الرب تبارك وتعالى من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته ما أعطي السائلين - قال: - وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه ".
قال: هذا حديث حسن غريب.
وروى أبو محمد الدارمي السمرقندي في مسنده عن عبد الله قال: السبع الطول مثل التوراة، والمئون مثل الإنجيل، والمثاني مثل الزبور، وسائر القرآن بعد فضل.
وأسند عن الحارث
(٢) آية ٢١ سورة الحشر.
(*)