قوله تعالى: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا " فيه مسألتان: الاولى - قوله تعالى: " شرع لكم من الدين " أي الذي له مقاليد السموات والارض شرع لكم من الدين ما شرع لقوم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، ثم بين ذلك بقوله تعالى: " أن أقيموا الدين " وهو توحيد الله وطاعته، والايمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء، وبسائر ما يكون الرجل بإقامته مسلما.
ولم يرد الشرائع التي هي مصالح الامم على حسب أحوالها، فإنها مختلفة متفاوتة، قال الله تعالى: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " [ المائدة: ٤٨ ] وقد تقدم القول (١) فيه.
ومعنى " شرع " أي نهج وأوضح وبين المسالك.
وقد شرع لهم يشرع شرعا أي سن.
والشارع: الطريق الاعظم.
وقد شرع المنزل إذا كان على طريق نافذ.
وشرعت الابل إذا أمكنتها من الشريعة.
وشرعت الاديم إذا سلخته.
وقال يعقوب: إذا شققت ما بين الرجلين، قال: وسمعته من أم الحمارس البكرية.
وشرعت في هذا الامر شروعا أي خضت.
" أن أقيموا الدين " " أن " في محل رفع، على تقدير والذي وصى به نوحا أن اقيموا الدين، ويوقف على هذا الوجه على " عيسى ".
وقيل: هو نصب، أي شرع لكم إقامة الدين.
وقيل: هو جر بدلا من الهاء في " به "، كأنه قال: به أقيموا الدين.
ولا يوقف على " عيسى " على هذين الوجهين.
ويجوز أن تكون " أن " مفسرة، مثل أن امشوا، فلا يكون لها محل من الاعراب.
الثانية - قال القاضي أبو بكر بن العربي: ثبت في الحديث الصحيح أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال في حديث الشفاعة الكبير المشهور: (ولكن ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الارض فيأتون نوحا فيقولون له أنت أول رسول بعثه الله إلى أهل الارض...) وهذا صحيح لا إشكال فيه، كما أن آدم أول نبي (٢) بغير إشكال، لان آدم لم يكن معه إلا نبوة، ولم تفرض له الفرائض ولا شرعت له المحارم، وإنما كان تنبيها على بعض

(١) راجع ج ٦ ص ٢١١ طبعة أولى أو ثانية.
(٢) في نسخ الاصل: " كما أن آدم أول رسول نبي بغير إشكال، إلا أن آدم " والتصويب عن ابن العربي.
(*)


الصفحة التالية
Icon