فأمر مناديا فنادى: " الحج عرفة، فمن جاء ليلة جمع (١) قبل طلوع الفجر فقد أدرك، أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه "، أي من تعجل من الحاج في يومين من أيام منى صار مقامه بمنى ثلاثة أيام بيوم النحر، ويصير جميع رميه بتسع وأربعين حصاة، ويسقط عنه رمى يوم الثالث.
ومن لم ينفر منها إلا في آخر اليوم الثالث حصل له بمنى مقام أربعة أيام من أجل يوم النحر، واستوفى العدد في الرمى، على ما يأتي بيانه.
ومن الدليل على أن أيام منى ثلاثة - مع ما ذكرناه - قول العرجى: ما نلتقي إلا ثلاث منى * حتى يفرق بيننا النفر فأيام الرمى معدودات، وأيام النحر معلومات.
وروى نافع عن ابن عمر أن الايام المعدودات والايام المعلومات يجمعها أربعة أيام: يوم النحر وثلاثة أيام بعده، فيوم النحر معلوم غير معدود، واليومان بعده معلومان معدودان، واليوم الرابع معدود لا معلوم، وهذا مذهب مالك وغيره.
وإنما كان كذلك لان الاول ليس من الايام التى تختص بمنى في قوله سبحانه وتعالى: " واذكروا الله في أيام معدودات " ولا من التى عين النبي ﷺ بقوله: " أيام منى ثلاثة "
فكان معلوما، لان الله تعالى قال: " ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام (٢) "، ولا خلاف أن المراد به النحر، وكان النحر في اليوم الاول وهو يوم الاضحى والثانى والثالث، ولم يكن في الرابع نحر بإجماع من علمائنا، فكان الرابع غير مراد في قوله تعالى: " معلومات " لانه لا ينحر فيه وكان مما يرمى فيه، فصار معدودا لاجل الرمى، غير معلوم لعدم النحر فيه.
قال ابن العربي: والحقيقة فيه أن يوم النحر معدود بالرمي معلوم بالذبح، لكنه عند علمائنا ليس مرادا في قوله تعالى: " واذكروا الله في أيام معدودات ".
وقال أبو حنيفة والشافعي: الايام المعلومات العشر من أول يوم من ذى الحجة، وآخرها يوم النحر، لم يختلف قولهما في ذلك، ورويا ذلك عن ابن عباس.
وروى الطحاوي عن أبى يوسف أن الايام المعلومات أيام النحر، قال أبو يوسف: روى ذلك عن عمر وعلى، وإليه أذهب،

(١) جمع (بفتح فسكون): علم للمزدلفة.
(٢) آية ٢٨ سورة الحج.


الصفحة التالية
Icon