وهو تنبيه على الضياء، لانه لما قال: " سوداوان " قد يتوهم أنهما مظلمتان، فنفى ذلك
بقوله: " بينهما شرق " ويعنى بكونهما سوداوان أي من كثافتهما التى بسببها حالتا بين من تحتهما وبين حرارة الشمس وشدة اللهب والله أعلم.
الخامسة - صدر هذه السورة نزل بسبب وفد نجران فيما ذكر محمد بن إسحاق عن محمد ابن جعفر بن الزبير، وكانوا نصارى وفدوا على رسول الله ﷺ بالمدينة في ستين راكبا، فيهم من أشرافهم أربعة عشر رجلا، في الاربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يرجع أمرهم: العاقب (١) أمير القوم وذو آرائهم واسمه عبد المسيح، والسيد ثمالهم (٢) وصاحب مجتمعهم واسمه الايهم، وأبو حارثة بن علقمة أحد بكر بن وائل أسقفهم وعالمهم، فدخلوا على رسول الله ﷺ أثر صلاة العصر، عليهم ثياب الحبرات (٣) جبب وأردية فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ما رأينا وفدا مثلهم جمالا وجلالة.
وحانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد النبي ﷺ إلى المشرق.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " دعوهم ".
ثم أقاموا بها أياما يناظرون رسول الله ﷺ في عيسى ويزعمون أنه ابن الله، إلى غير ذلك من أقوال شنيعة مضطربة، ورسول ﷺ يرد عليهم بالبراهين الساطعة وهم لا يبصرون ونزل فيهم صدر هذه السورة إلى نيف وثمانين آية، إلى أن آل أمرهم إلى أن دعاهم رسول الله ﷺ إلى المباهلة (٤)، حسب ما هو مذكور في سيرة ابن إسحاق (٥) وغيره.
قوله تعالى: نزل عليك الكتب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التورئة والانجيل (٣) من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات ؟ الله لهم عذاب شدى والله عزيز ذو انتقام (٤)

(١) السيد والعاقب هما من رؤسائهم وأصحاب مراتبهم، والعاقب يتلو السيد.
(٢) الثمال (بالكسر).
الملجأ والغياث والمطعم في الشدة.
(٣) الحبرات (بكسر الحاء وفتح الباء جمع حيرة): ضرب من الثياب اليمانية.
(٤) في الاصول: الابتهال، والصواب ما أثبت، باهل القوم بعضهم بعضا وتباهلوا وتبهلوا: تلاعنوا.
والمباهلة: أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شئ فيقولوا: لعنة الله على الظالم منا.
(٥) راجع سيرة ابن هشام ص ٤٠١ طبع أور با (*)


الصفحة التالية
Icon