عرضه أن يقال فيه: فلان يمطل الناس ويحبس حقوقهم ويبيح للامام أدبه وتعزيره حتى يرتدع عن ذلك، حكي معناه عن سفيان، وهو معنى قول ابن المبارك رضي الله عنهما.
الثانية - وليس من هذا الباب ما وقع في صحيح مسلم من قول العباس في علي رضي الله عنهما بحضرة عمر وعثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن.
الحديث.
ولم يرد عليه واحد منهم، لانها كانت حكومة، كل واحد منهما يعتقدها لنفسه، حتى أنفذ فيها عليهم عمر الواجب، قاله ابن العربي.
وقال علماؤنا: هذا إنما يكون فيما إذا استوت المنازل أو تقاربت، وأما إذا تفاوتت، فلا تمكن الغوغاء من أن تستطيل (١) على الفضلاء، وإنما تطلب حقها بمجرد الدعوى من غير تصريح بظلم ولا غضب، وهذا صحيح وعليه تدل الآثار.
ووجه آخر - وهو أن هذا القول أخرجه من العباس الغضب وصولة سلطة العمومة ! فإن العم صنو (٢) الاب، ولا شك أن الاب إذا أطلق هذه الالفاظ على ولده إنما يحمل ذلك منه على أنه قصد الاغلاظ والردع مبالغة في تأديبه، لا أنه موصوف بتلك الامور، ثم أنضاف إلى هذا أنهم في محاجة ولاية دينية، فكان العباس يعتقد أن مخالفته فيها لا تجوز، وأن مخالفته فيها تؤدي إلى أن يتصف المخالف
بتلك الامور، فأطلقها ببوادر الغضب على هذه الاوجه، ولما علم الحاضرون ذلك لم ينكروا عليه، أشار إلى هذا المازري والقاضي عياض وغيرهما.
الثالثة - فأما من قرأ " ظلم " بالفتح في الظاء واللام - وهي قراءة زيد بن أسلم، وكان من العلماء بالقرآن بالمدينة بعد محمد بن كعب القرظي، وقراءة ابن أبي إسحق والضحاك وابن عباس وابن جبير وعطاء بن السائب - فالمعنى: إلا من ظلم في فعل أو قول فأجهروا له بالسوء من القول، في معنى النهي عن فعله والتوبيخ له والرد عليه، المعنى لا يحب الله أن يقال لمن تاب من النفاق: ألست نافقت ؟ إلا من ظلم، أي أقام على النفاق، ودل على هذا قوله تعالى: " إلا الذين تابوا ".
قال ابن زيد: وذلك أنه سبحانه لما أخبر عن المنافقين
(٢) الصنو: المثل.
(*)