وهو شدة الفتل، ويقال للصقر أيضا أجدل لشدته في الطير، وقد مضى هذا المعنى في " الأنعام " (١) بأشبع من هذا.
وقرأ ابن عباس " فأكثرت جدلنا " ذكره النحاس.
والجدل في الدين محمود، ولهذا جادل نوج والأنبياء قومهم حتى يظهر الحق، فمن قبله أنجح وأفلح، ومن رده خاب وخسر.
وأما الجدال لغير الحق حتى يظهر الباطل في صورة الحق فمذموم، وصاحبه في الدارين ملوم.
(فأتنا بما تعدنا) أي من العذاب.
(إن كنت من الصادقين) في قولك.
قوله تعالى: (قال إنما يأتيكم به الله إن شاء) أي إن أراد إهلاككم عذبكم.
(وما أنتم بمعجزين) أي بفائتين.
وقيل: بغالبين بكثرتكم، لأنهم أعجبوا بذلك، كانوا ملئوا الأرض سهلا وجبلا على ما يأتي.
قوله تعالى: (ولا ينفعكم نصحي) أي إبلاغي واجتهادي في إيمانكم.
(إن أردت أن أنصح لكم) أي لأنكم لا تقبلون نصحا، وقد تقدم في " براءة " (٢) معنى النصح لغة.
(إن كان الله يريد أن يغويكم) أي يضلكم.
وهذا مما يدل على بطلان مذهب المعتزلة والقدرية ومن وافقهما، إذ زعموا أن الله تعالى لا يريد أن يعصي العاصي، ولا يكفر الكافر، ولا يغوي الغاوي، وأن يفعل ذلك، والله لا يريد ذلك، فرد الله عليهم بقوله: " إن كان الله يريد أن يغويكم ".
وقد مضى هذا المعنى في " الفاتحة " (٣) وغيرها.
وقد أكذبوا شيخهم اللعين إبليس على ما بيناه في " الأعراف " في إغواء الله تعالى إياه حيث قال: " فبما أغويتني " [ الأعراف: ١٦ ] ولا محيص لهم عن قول نوح عليه السلام: " إن كان الله يريد أن يغويكم " فأضاف إغواءهم إلى الله سبحانه وتعالى، إذ هو الهادي والمضل، سبحانه عما يقول الجاحدون والظالمون علوا كبيرا.
وقيل: " أن يغويكم " يهلككم، لأن الإضلال يفضي إلى الهلاك.
الطبري: " يغويكم " يهلككم بعذابه، حكي عن طئ أصبح فلان غاويا أي مريضا، وأغويته أهلكته، ومنه " فسوف يلقون غيا " (٤) [ مريم: ٥٩ ].
(هو ربكم) فإليه الإغواء،
وإليه الهداية.
(وإليه ترجعون) تهديد ووعيد.
(٢) راجع ج ٨ ص ٢٢٦ فما بعد.
(٣) راجع ج ١ ص ١٤٩.
وج ٤ ص ٢٠.
(٤) راجع ج ١١ ص ١٢٥.
(*)