…ورجح الطبري القول الأول بدلالة السباق، فقال :"وأولى التأويلين عندي بالصواب قول من قال : ثم الطريق، وهو خروجه من بطن أمه، يسره. وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب ؛ لأنه أشبههما بظاهر الآية، وذلك أن الخبر قبلها وبعدها عن صفته خلقه، وتدبيره جسمه، وتصريفه إياه في الأحوال، فالأولى أن يكون أوسط ذلك نظير ما قبله وما بعده".
…ويكون هذا الاختلاف من قبيل اختلاف التنوع الذي يرجع إلى أكثر من معنى، وسببه التواطؤ في لفظ السبيل، والله أعلم.
(٨٥)… يسمى المباشر للدفن قابر، والآمر به مقبر ؛ فتقول : أقبره الله، وقبره فلان، كما قال الأعشى :
…ولو أسند ميت إلى صدرها……لعاش ولم ينقل إلى قابر
…أي : إلى دافن يدفنه في قبره.
(٨٦)… يلاحظ في الآيات السابقة تكرر العطف بـ "الفاء"، و "ثم"، أما الأولى : فللدلالة على تعاقب الحدثين، وسرعة وجود الآخر بعد الأول. وأما الثاني : فللدلالة على تراخ وبعد بين الحدثين، وسرعة وجود الآخر بعد الأول. وأما الثاني : فللدلالة على تراخ وبعد بين الحدثين ؛ فقوله تعالى :﴿من نطفة خلقه فقدره﴾، إشارة إلى أن الأطوار المقدرة تعقب حال النطفة، ثم قال :﴿ثم السبيل يسره﴾، وهذا إشارة إلى طول الزمان الذي يقر فيه الجنين في البطن بعد التقدير، ثم قال :﴿ثم أماته فأقبره﴾، وهذا يدل على تراخ بين خروجه من بطن أمه إلى موته، وهي فترة الحياة التي يعيشها، أما الفترة التي بين موته ودفنه فإنه يسيرة، ولذا جاء التعقيب بالفاء، ولما كان الزمن بين الموت والبعث طويلاً، جاء التعقيب بحرف العطف "ثم"، والله أعلم.