قال الطبري :"والصواب من القول في ذلك عندنا، قول من قال : التين : هو الذي يؤكل، والزيتون هو الزيتون الذي يعصر منه الزيت ؛ لأن ذلك هو المعروف عند العرب، ولا يعرف جبل يسمى تيناً ولا جبل يسمى زيتوناً، إلا أن يقول القائل : أقسم ربنا جل ثناؤه بالتين والزيتون، والمراد من الكلام القسم بمنابت التين ومنابت الزيتون، فيكون ذلك مذهباً، وإن لم يكن على صحة ذلك أنه كذلك دلالة في ظاهر التنزيل، ولا من قول من لا يجوز خلافه ؛ لأن دمشق بها منابت التين، وبيت المقدس منابت الزيتون ".
وهذا الذي قاله السلف في تفسيرهم حق، ويدل عليه ظاهر التنزيل ؛ لأن الله سبحانه عطف على هاتين أسماء أماكن، وهذا يشير إلى أن المراد بالقسم هاتان الشجرتان وأماكن نباتهما، ولهذا كانت كل الأقوال المذكورة في التين والزيتون لا تخرج عن الشام التي هي موطن كثير من النبوات، خصوصاً نبوات بني إسرائيل، ولذا قال بعض العلماء :"هذه محال ثلاثة بعث الله في كل واحد منها نبياً مرسلاً في أولى العزم أصحاب الشرائع الكبار.
فالأول : محالة التين والزيتون، وفي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم.
والثاني : طور سينين، وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران.
والثالث : مكة، وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمناً، وهو الذي أرسل الله فيه محمداً ﷺ.
قالوا : وفي آخر التوراة ذكر هذه الأماكن الثلاثة : جاء الله من طور سيناء - يعني : الذي كلم الله عليه موسى بن عمران -، وأشرق من ساعير - يعني : جبل بيت المقدس الذي بعث الله منه عيسى-، واستعلن من جبال فاران - يعني : جبال مكة التي أرسل الله منها محمداً -، فذكرهم على الترتيب الوجودي بحسب ترتيبهم في الزمان. ولهذا أقسم بالأشراف، ثم الأشرف منه، ثم بالأشرف منهما ". (تفسير ابن كثير، وانظر : التحرير والتنوير).