…الثامن : أن أرباب القول الأول مضطرون إلى مخالفة الحس، وإخراج الكلام عن ظاهره، والتكليف البعيد له.
…فإنهم إن قالوا : إن الذي يرد إلى أرذل العمر هم الكفار دون المؤمنين، كابروا الحس.
…وإن قالوا : من النوعين من يرد إلى أرذل العمر احتاجوا إلى التكليف لصحة الاستثناء، فمنهم من قدر ذلك بأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا تبطل أعمالهم إذا ردوا إلى أرذل العمر، بل تجري عليهم أعمالهم التي كانوا يعملونها في الصحة.
…فهذا، وإن كان حقاً، فإن الاستثناء إنما وقع من الرد لا من الأجر والعمل.
ولما علم أرباب هذا القول ما فيه من التكلف، حض بعضهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات بقراءة القرءان لا يرد إلى أرذل العمر. ………………… =
=… وهذا ضعيف من وجهين :
…أحدهما: أن الاستثناء عام في المؤمنين : قارئهم وأميهم.
…وأنه لا دليل على ما أدعوه، وهذا لا يعلم بالحسن، ولا خبر يجب التسليم له يقتضيه، والله أعلم.
…التاسع : أنه سبحانه ذكر نعمته على الإنسان بخلقه في أحسن تقويم، وهذه النعمة توجب عليه أن يشكرها بالإيمان، وعبادته وحده لا شريك له، فينقله حينئذ من هذه الدار إلى أعلى عليين، فإذا لم يؤمن به، وأشرك به، وعصى رسله، نقله منها إلى أسفل سافلين، وبدله بعد هذه الصورة التي هي في أحسن تقويم، صورة من أقبح الصور في أسفل سافلين. فتلك نعمته عليه، وهذا عدله فيه، وعقوبته على كفرانه نعمته.
…العاشر : أن نظير هذه الآية قوله تعالى :﴿فبشرهم بعذاب أليم * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون﴾، فالعذاب الأليم هو أسفل سافلين، والمستثنون هنا هم المستثنون هناك، والأجر الممنون هناك هو المذكور هنا، والله أعلم". التباين في أقسام القرآن (ص : ٣١-٣٣).


الصفحة التالية
Icon