…وقد ذكر الطاهر بن عاشور في الآية فهماً جديداً استنبطه، وهو فهم قوي تدل عليه النصوص، وملخصة : أن أحسن تقويم هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وأن الرد إلى أسفل سافلين للكفار، وذلك ببعده عن فطرته وكفره بالله، إلا الذين آمنوا فاستقاموا على ما فطروا عليه، واستدل لفهمه هذا بحديث :"ما من مولود إلا يولد على الفطرة..." وهو فهم سديد، يتناسب مع المراد من سياق الأقسام الواردة في النبوات، فتأمله واعتبره، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
(٢٦٩)…ورد اختلاف بين السلف في تفسير "ممنون" على أقوال :
١- غير منقوص، وهو قول ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة.
٢- غير محسوب، وهو قول مجاهد من طريق ابن جريج وابن أبي نجيح، وإبراهيم النخعي من طريق حماد.
٣- غير مقطوع.
قال الطبري :"وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال : فلهم أجر غير منقوص، كما كان له أيام صحته وشبابه، وهو عندي من قولهم : حبل منين : إذا كان ضعيفاً، ومنه قول الشاعر :
…اعطوا هنيدة يحدوها ثمانية …ما في عطائهم من ولا سر
…يعني : أنه ليس فيه نقص، ولا خطأ".
…وسبب هذا الاختلاف الاشتراك اللغوي في لفظ "ممنون"، وهو محتمل لما قيل من هذه التفاسير، ويكون الاختلاف فيه راجعاً إلى أكثر من معنى، والله أعلم.
(٢٧٠)…أورد الطبري في تفسير "الدين" قولين :
…الأول : الحساب، وذلك عن عكرمة من طريق النضر بن عربي.
…والثاني : حكم الله، عن ابن عباس من طريق العوفي، ثم قال :"وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال : الدين في هذا الموضع : الجزاء والحساب، وذلك أن أحد معاني الدين في كلام العرب: الجزاء والحساب، ومنه قولهم :"كما تدين تدان"، ولا أعرف في معاني الدين الحكم في كلامهم، إلا أن يكون مراداً بذلك : فما يكذبك بعد بأمر الله الذي حكم به عليك أن تطيعه فيه، فيكون ذلك".


الصفحة التالية
Icon