(٢٠)…لما كان المقام مقام وعيد وتهديد للمختلفين في النبأ قدم ذكر جهنم، التي هي اسم من أسماء دار العذاب الأخروي، والمرصاد : مكان الرصد والترقب، وفي هذا إشارة إلى ما ذكره الرسول ﷺ من أمر الصراط الذي وضع على متن جهنم، فيمر الناس عليه، فتختطف النار بكلاليبها وخطاطيفها أهلها الذين حكم الله عليهم بدخولها، وقد أشار السلف في تفسير هذه الآية إلى المرور على النار ؛ كالحسن، وقتادة، وسفيان الثوري.
(٢١)…ورد عن بعض السلف - كالحسن وقتادة والربيع بن أنس - تحديد مدة الحقب، ومع ذلك نبهوا على أن هذه الأحقاب تتوالى على الكافرين فلا تنتهي، وهذا يرفع ما يورده بعض من استدل على فناء النار بهذه الآية، وذلك أنه كان للحب مدة محددة، لكن الله أطلق هذه الأحقاب فلم يقيدها بعدد، فصدق عليهم أنهم يمكثون في النار أحقاباً لا حصر لها، كما لو قيل : لابثين فيها سنين، فهذا لا يمنع الخلود، فهم يصدق عليهم أنهم يلبثون سنين، لكن لا حصر لها.
…وفيه توجيه آخر ذكره الطبري، فقال : وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك : لابثين فيها أحقاباً في هذا النوع من العذاب، وهو أنهم :﴿لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا * إلا حميما وغساقا﴾ [النبأ : ٢٤-٢٥]، فإذا انقضت تلك الأحقاب، صار لهم من العذاب أنواع غير ذلك ؛ كما قال جل ثناؤه في كتابه :﴿هذا وإن للطاغين لشر مئاب * جهنم يصلونها فبأس الهماد * هذا فليذوقوه حميم وعشاق * وءاخر من شكله أزواج﴾ [ص : ٥٥- ٥٨]، وهذا القول عندي أشبه بمعنى الآية.


الصفحة التالية
Icon