…وقد ذكر الإمام الطبري عن مقاتل بن حيان أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى :﴿فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً﴾ [النبأ : ٣٠]، ثم قال :"ولا معنى لهذا القول ؛ لأن قوله :﴿لابثين فيها أحقابا﴾ [النبأ : ٢٣]، ثم قال :" ولا معنى لهذا القول ؛ لأن قوله :﴿لابثين فيها أحقابا﴾ [النبأ : ٢٣] خبر، والأخبار لا يكون فيها نسخ، وإنما النسخ في الأمر والنهي ".
…ولو حُمل كلام مقاتل على مفهوم النسخ عند السلف - وهو مطلق الرفع لشيء من معنى الآية أو حُكمها، وهو أعم من المصطلح الذي ذكره الطبري - لما كان في الأمر إشكال، ويكون مراد مقاتل أن الآية الأخرى تبين أنهم إذا انتهوا من العذاب في هذه الأحقاب، فإنه يزاد عليهم العذاب بعد ذلك، وهذا هو معنى التوجيه الثاني الذي ذكره الطبري واختاره.
…ويظهر من هذا المثال وغيره أ، الإمام الطبري رحمه الله تعالى لم يكن يُعمل مصطلح السلف في النسخ، ولذا كان يعترض على مثال هذا المثال، وفي هذا فائدة علمية ذات خطر، وهي أن تعرف مصطلح كل قوم، ولا تحمل كلامهم على مصطلح غيرهم، فتقع في الخطأ، وأعظم ما يكون الخطأ إذ حملت ألفاظ القرآن والسنة على المصطلحات حادثة مبتدعة، فتقع بذلك الطوام، وتحرف نصوص الكتاب والسنة. انظر في ذلك : الصواعق المرسلة، لابن القيم، تحقيق : الدخيل الله (١ : ١٨٩ - ١٩٢).
(٢٢)…ذكر في معنى البرد قول آخر، وهو أن يكون البرد النوم، وقال عنه الطبري :"وقد زعم بعض أهل العلم بالكلام العرب - يعني : أبا عبيدة معمر بن المثنى - أن البرد في هذا الموضع النوم، وأن معنى الكلام : لا يذوقون فيها نوماً ولا شراباً، واستشهد لقيله ذلك بقول الكندي :
…بردت مراشفها على فصدني ……عنها وعن قبلاتها البرد
يعني بالبرد : النعاس.
والنوم، وإن كان يبرد غليل العطش، فقيل له من أجل ذلك : البرد، فليس هو بأسمه المعروف، وتأويل كلام الله على الأغلب من معروف كلام العرب دون غيره".


الصفحة التالية
Icon