…أحدها : إخراج الكلام مخرج العرض، ولم يخرجه مخرج الأمر والإلزام، هو ألطف، ونظيره قول إبراهيم لضيفه المكرمين :﴿ألا تأكلون﴾ [الذاريات : ٢٧] ولم يقل : كلوا.
…الثاني : قوله ك ﴿إلى أ، تزكى﴾، والتزكي : النماء والطهارة والبركة والزيادة، فعرض عليه أمراً يقبله كل عاقل ولا يرده إلا كل أحمق جاهل.
…الثالث : قوله :﴿تزكى﴾ ولم يقل : أزكيك، فأضاف التزكية إلى نفسه، وعلى هذا يخاطب الملوك.
…الرابع : قوله :﴿وأهديك﴾ ؛ أي : أكون دليل لك، وهادياً بن يديك. فنسب الهداية إليه، والتزكى إلى المخاطب ؛ أي : أكون دليلاً لك وهادياً، فتزكى أنت، كما تقول للرجل : هل لك أن أدلك على كنز تأخذ منه ما شئت ؟ وهذا أحسن من قوله : أعطيتك.
…الخامس : قوله :﴿إلى ربك﴾، فإن في هذا ما يوجب قبول ما دل عليه، وهو أن يدعوه ويوصله إلى ربه : فاطره وخالقه الذي أوجده، ورباه بنعمه : جنيناً، وصغيراً، وكبيراً، وآتاه الملك. وهو نوع من خطاب الاستعطاف والإلزام : كما تقول لمن خرج عن طاعة سيده : ألا تطيع سيدك ومولاك ومالكك. وتقول للولد : ألا تطيع أباك الذي رباك. ……………=
=…السادس : قوله :﴿فتخشى﴾ ؛ إذا اهتديت إليه وعرفته خشيته ؛ لأن من عرف الله خاف، ومن لم يعرف لم يخفه، فخشية الله مقرونة بمعرفته، وعلى قدر المعرفة تكون الخشية.
…السابع : أن في قوله :﴿هل لك﴾ فائدة لطيفة، وهي أن المعنى : هل لك في ذلك حاجة أو إرب؟ ومعلوم أ، كل عاقل يبادر إلى قبول ذلك ؛ لأن الداعي إنما يدعو إلى حاجته ومصلحته ؛ لا إلى حاجة الداعي، فكأنه يقول : الحاجة لك، وأنت المتزكي، وأنا الدليل لك، والمرشد لك إلى أعظم مصالحك.
(٥٨)…فسر السلف الآية بأنها العصا واليد، وفي هذا إشارة إلى أن لفظ الآية في الآية يراد به جنسها، لا أنها آية واحدة.