وتعقبه القرطبي بقوله :" قلت: وهذا تعلق غير صحيح هؤلاء قاموا فذكروا الله على هدايته، وشكروه لما أولاهم من نعمه ونعمته، ثم هاموا على وجوههم منقطعين إلى ربهم خائفين من قومهم؛ وهذه سنة الله في الرسل والأنبياء والفضلاء الأولياء. أين هذا من ضرب الأرض بالأقدام والرقص بالأكمام وخاصة في هذه الأزمان عند سماع الأصوات الحسان من المرد والنسوان؛ هيهات بينهما والله ما بين الأرض والسماء. ثم هذا حرام عند جماعة العلماء، على ما يأتي بيانه في سورة لقمان إن شاء الله تعالى. وقد تقدم في "سبحان" عند قوله: "ولا تمش في الأرض مرحا" [سورة الإسراء: ٣٧] ما فيه كفاية. وقال الإمام أبو بكر الطرسوسي وسئل عن مذهب الصوفية فقال: وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري؛ لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون ؛ فهو دين الكفار وعباد العجل، على ما يأتي. (١).
( فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ (
لقد اجتمعت كلمتهم، وتوحدت دعوتهم فقالوا جميعا بألسنتهم وقلوبهم (رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) فهو تعالى المتفرد بالربوبية فلا رب غيره وهذا دليل على تفرده عز وجل بالألوهية فلا معبود سواه، والعجيب أن المشركين بالله تعالى يقرون له بالربوبية ومع ذلك يشركون به آلهة أخرى.
قال أبو السعود رحمه الله :" وضمنوا دعواهم ما يحقق فحواهم ويقضي بمقتضاها فإن ربوبيته عز وجل لهم تقتضي ربوبيته لما فيهما ". (٢)
(لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا (
كما يزعم المشركون، حيث أشركوا بالله غيره في الألوهية مع إقرارهم بأن الخالق الرازق هو الله لذلك جاء التعبير ب (إِلَهًا).
(لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (

(١) - نفس المرجع ١٠ / ٣٦٦
(٢) - إرشاد العقل السليم ٥ / ٢١٠


الصفحة التالية
Icon