أقول لقد تذكرت والذكرى مؤرقة إخواننا في الأندلس لما تمكن النصارى الأسبان منهم أجبروا من لم يتمكن من الفرار على ترك الإسلام ونسيان لغة القرآن ففر من فر بدينه وبقي من بقي على دينه خفية لا يستطيع أن يجهر به وإلا فإن محاكم التفتيش حيث العذاب صنوف وألوان وأجبروا على دخول الكنائس وممارسة شعائر النصرانية حتى ولد من أصلابهم من يقول بمقولة النصارى الكاذبة ويعتقد دينهم الباطل بل وربما كان من بين ذرياتهم من يناصب الإسلام والمسلمين العداء ويتعصبون للصليب وينتمون لليمين المتطرف الناشط في هذه الأيام في أسبانيا والذي يطالبون الآن بطرد العرب المقيمين فيها، وقد خفي عليهم وغاب عنهم أن هذا الدين الذي يبارزونه العدوان هو دين أسلافهم ؛ أجبروا على التخلي عنه بالحديد والنيران. (١)

(١) - وفي هذه المحنة قال أحد الشعراء :
لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان
دهى (الجزيرة ) أمر لا عزاء له هوى له (أحد ) وأنهدّ (ثهلان)
فاسأل (بلنسيةً) ما شان (مرسية) ؟ وأين (شاطبة) أم أين (جيان) ؟
وأين (قرطبة) دار العلوم فكم من عالم قد سما فيها له شان
تبكي الحنيفية البيضاء من أسف كما بكى لفراق الإلف هيمان
على ديار من الإسلام خالية قد أقفرت ولها بالكفر عمران
حيث المساجد قد صارت كنائس ما فيهن إلا نواقيس وطبّان
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة حتى المنابر تبكي وهي عيدان
تلك المصيبة أنست ما تقدمها ومالها من طوال الدهر نسيان
يا راكبين عتاق الخيل ضامرة كأنها في مجال السبق عقبان
وحاملين سيوف الهند مرهفة كأنها في ظلام النقع نيران
وراتعين وراء البحر في دعة لهم بأوطانهم عز وسلطان
أعندكم نبأ من أهل أندلس فقد سرى بحديث القوم ركبان
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم قتلى وأسرى فما يهتز أنسان
يا من لذلة قوم بعد عزتهم أحال حالهم جور وطغيان
بالأمس كانوا ملوكاً في منازلهم واليوم هم في بلاد الكفر عبدان
فلو تراهم حيارى لا دليل لهم عليهم في ثياب الذل ألوان
يا رب أم وطفل حيل بينهما كما تفرق أروح وأبدان
وطفلة مثل حسن الشمس إذ طلعت كأنما هي ياقوت ومرجان
يقودها العلج للمكروه مكرهةً والعين باكية والقلب حيران
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان
يراجع محاكم التفتيش في الأندلس تأليف محمد علي قطب ط مكتبة القرآن بمصر وقد أورد فيه المؤلف نقلا عن مراجع عربية وأجنبية صورا بشعة لأنواع التعذيب الوحشي للمسلمين بعد أن حكم الطغاة الأسبان.


الصفحة التالية
Icon