حمل الشوكاني الحياء على المشاكلة(١) والتمثيل وهذا فيه نظر، فقد قال ابن جرير ( إن الله جل ذكره أخبر عباده أنه يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها عقيب أمثال قد تقدمت في هذه السورة ضربها للمنافقين دون الأمثال التي ضربها في سائر السور وغيرها )(٢) وقال البغوي :( أي : لا يترك ولا يمنعه الحياء أن يضرب مثلا يذكر )(٣). وقال ابن القيم :( وهذا جواب اعتراض اعترض به الكفار على القرآن و قالوا: إن الرب أعظم من أن يذكر الذباب والعنكبوت... فأجابهم الله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها إذا تضمن تحقيق الحق وإيضاحه وإبطال الباطل و إضحاده كان من أحسن الأشياء والحسن لا يستحيا منه فهذا جواب الاعتراض )(٤). وقال السعدي :( أي مثل كان - بعوضة فما فوقها- لاشتمال الأمثال على الحكمة وإيضاح الحق والله لا يستحي من الحق )(٥)
*المثال الرابع:
الآية (٣١) من سورة آل عمران قوله تعالى :( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ).
فسر المؤلف(٦) المحبة بالإنعام عليهم وبالغفران وهذا فيه نظر لأنه تفسير للملزوم باللازم، والصواب ما عليه سلف هذه الأمة من إثبات صفة المحبة لله عز وجل على ما يليق بجلاله فالآية تبين محبة الله ورضوانه وثوابه لا تنال إلا بتصديق ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة وامتثال أمرها واجتناب نهيهما فمن فعل ذلك أحبه الله وجازاه جزاء المحبين وغفر له ذنوبه وستر عليه عيوبه(٧).
فالسلف يثبتون اللازم مع إثبات الملزوم، بخلاف الخلف فانهم يثبتون اللازم وينفون الملزوم ومن هنا يقعون في تعطيل الصفات وتحريف نصوصها.
*المثال الخامس:

(١) فتح القدير ( ١/٥٦ )
(٢) تفسير ابن جرير ( ١/٢١٤ )
(٣) معالم التنزيل ( ١/٥٨ )
(٤) بدائع الفوائد ( ٤/١٣٦ )
(٥) تفسير السعدي ( ١/٦٥ )
(٦) فتح القدير ( ١/٣٣٣ )
(٧) انظر : تفسير السعدي ( ١/٣٧٤ )


الصفحة التالية
Icon