قلت رحم الله المصنف فقد جمع بين التعطيل والتفويض و الإثبات بذكر الأقوال المتضادة المتعارضة التي منها حق ومنها باطل فلحق قوله :( يا محمد كما اقترحوا بقولهم – لولا انزل علينا الملائكة أو نرى ربنا- ) وكذا قوله الأخير ( وهو إتيان الله لفضل القضاء بين خلقه ) وهذا هو الحق الذي مضى عليه سلف الأمة، قال ابن جرير :( يقول جل ثناؤه هؤلاء العادلون بربهم الأوثان والأصنام ( إلا أن تأتيكم الملائكة) بالموت فتقبض أرواحهم أو أن يأتيهم ربك يا محمد بين خلقه في موقف القيامة )(١)، فالله يأتي لفصل القضاء بين العباد و مجازاة المحسنين والمسيئين.
أما قول المصنف : أو يأتي أمر ربك بإهلاكهم فهذا من تأويل المعطلة حيث جعلوه على حذف المضاف على سيل ادعاء المجاز فيه، و أما قوله: هو من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله فان أراد إن معنى الإتيان من المتشابه فهذا فيه نظر فمعناه محكم وليس من المتشابه وان أراد الكيفية فهذا حق الكيف مجهول فالحاصل أن معاني آيات الصفات من قبيل المحكمات الواضحات وليست من قبيل المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله.
*المثال العاشر :
الآية (٩) من سورة الرعد قوله تعالى: ( الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ).
قال المؤلف: ( أي العظيم الذي كل شيء دون، المتعالي عما يقوله المشركون أو المستعلي على كل شيء بقدرته وعظمته وقهره )(٢).
قلت : هذا أحد معاني العلو الثابتة له سبحانه، فهو المتعالي على كل شيء بقهره والمتعالي عن كل سوء ونقص بكماله ولكنه لم يذكر المعنى الآخر : وهو المتعالي بذاته فوق خلقه كأنه مشى على طريقة المتكلمين في تأويل صفة العلو بالقهر، مع أن علو الله يشمل النوعين؛ فذكر علو القهر وترك علو الذات تعطيل بحت.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله :

وله العلو في الوجوه جميعا ذاتا وقهرا مع علو الشان
(١) تفسير ابن جرير ( ٥/٤٠٤ )
(٢) فتح القدير ( ٣/٦٨ )، وانظر أيضاً ( ١/٢٧٢ )( ٥/٢٨٨)


الصفحة التالية
Icon