فانظر إلى قوله: ( والحق ما عرفناك من مذهب السلف الصالح ) فإنه صريح في أن ذلك مذهبه، ومما يوضح كذلك أن مذهبه مذهب السلف رده على المعتزلة والمعطلة وغيرهم ممن نفى رؤية الله تعالى في الآخرة، فقد ندد بهم و أنكر عليهم إنكاراً شديداً، وحكم بجهلهم وضلالهم في نفيهم لرؤية الله في الآخرة، وذلك في تفسيره للآية (٥٥) من سورة البقرة عن قوله تعالى ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ) وانظر كلامه بتمامه (١/٨٧) حيث قال :( وقد توارت الأحاديث الصحيحة بان العباد يرون ربهم في الآخرة، وهي قطعية الدلالة لا ينبغي لمنصف أن يتمسك في مقابلها بتلك القواعد الكلامية التي جاء بها قدماء المعتزلة، وزعموا أن العقل قد حكم بها، دعوى مبنية على شفا جرف هارٍ، وقواعد لا يغتر بها إلا من لم يحظ من العلم النافع بنصيب، وسيأتيك أن شاء الله بيان ما تمسكوا به من الأدلة القرآنية، وكلها خارج عن موضوع النزاع بعيد من موضوع الحجة، وليس هذا موضع المقال في هذه المسالة ) أ. هـ. وقد كان رحمه الله رجاعاً إلى الحق، بعيداً عن التعصب، فهذا اجتهاده، وان كان قد أخطأ في مواضع، لكنه أحسن في أكثر منها، ومادام رجاعاً إلى الحق فإننا نقول رحمه الله ثم رحمه الله على ما أسداه للإسلام من خدمات جليلة في مجال نشر العلم الشرعي في الفروع المختلفة، وقضائه بين الناس بما انزل الله تعالى، وعلى صدعه بالحق لا يخاف في الله لومة لائم.


الصفحة التالية
Icon