ومن المكر والاحتيال صرف نظر الجماهير كي لا ترى الحقيقة التي يخشاها فرعون ومن شاكله سعيا منهم لتزوير الحقيقة وقلب الموازين، ولهذا نادى فرعون في قومه و’’قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون، أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين‘‘(١). إنّه ينادي قوما تعودوا التعلق بالحياة الدنيا وزخارفها، لا يتطلعون إلاّ إلى الأرض. إنّه يلفت أنظارهم إلى ما تعلقت به قلوبهم وامتلأت به عقولهم، ويقدّم لهم المغريات.
وفي تلك اللحظة التي بهر بها أبصارهم-فلم يعودوا يروا غير المال والثروة، ولسان حالهم يقول فيها يا ليتنا نحظى بالقرب من السلطان-ينفث فرعون في روعهم مراده:’’فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين‘‘(٢)،(فأوهم قومه أنّ رسل الله ينبغي أن يكونوا كرسل الملوك في الشاهد، ولم يعلم أنّ رسل الله إنّما أُيّدوا بالجنود السماوية، وكلّ عاقل يعلم أنّ حفظ الله موسى مع تفرده ووحدته من فرعون مع كثرة أتباعه، وإمداد موسى بالعصا واليد البيضاء كان أبلغ من أن يكون له أسورة أو ملائكة يكونوا معه أعوانا، أو دليلا على صدقه، وليس يلزم هذا لأنّ الإعجاز كاف، وقد كان من الجائز أن يكذب مع مجيء الملائكة كما كذب مع ظهور الآيات، وذكر فرعون الملائكة حكاية عن لفظ موسى لأنّه لا يؤمن بالملائكة من لا يعرف خالقهم)(٣). ولكنّها الخديعة التي انطلت عليهم من متمرس في المكر والاحتيال.

(١) الزخرف: ٥١-٥٢].
(٢) الزخرف: ٥٣].
(٣) تفسير القرطبي(١٦/١٠٠-١٠١).


الصفحة التالية
Icon