وهكذا هو تمويه الطواغيت وتلبيسهم على الجماهير، كما كان يدعي طواغيت مكة أنّ النّبي صلى الله عليه وسلّم يُفرق بين المرء وأخيه، فهو-بزعمهم-تهديد خطير للأمن الداخلي، وتفكيك لما يُسمَّونه بالوحدة الوطنية، وما ذلك إلاّ من أجل الإبقاء على الوضع القائم. فبعض النّاس يرضى بالفتات وشيء من الخوف، وبعضهم لا تنطلي عليهم تلك المناورة ويعلمون أنّ زوال الطاغوت معناه سطوع الشمس بعد غياب طويل. وصدق فيهم قول الله تعالى:’’ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون‘‘(١).
إنّ إشغال النّاس وإبعادهم عن الأحداث بقضايا تافهة، أو تشكيكهم بالعقيدة التي قد تشكل خطرا على الأوضاع القائمة على الباطل، أو حتى تشويهها واللغو المتعمد فيها لتعكير صفائها ونقائها…كلّ ذلك وأبعد منه يحاوله فرعون بمكر وخداع، فعندما(قال مؤمن آل فرعون ما قال، وخاف فرعون أن يتمكن كلام هذا المؤمن في قلوب القوم، أوهم أنّه يمتحن ما جاء به موسى من التوحيد، فإن بان له صوابه لم يخفه عنهم، وإن لم يصح ثبتهم على دينهم، فأمر وزيره هامان ببناء الصرح)(٢)،’’وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع الى إله موسى وإني لأظنه كاذبا‘‘، أي(قصرا طويلا لعلي أبلغ أبواب السموات وأطرافها التي توصلني إليها)(٣).(وأراد بصنيعه هذا أن يوهم به الرعية أنه يعمل شيئا يتوصل به إلى تكذيب موسى عليه الصلاة والسلام)(٤)، ولهذا قال تعالى:’’وما كيد فرعون إلا في تباب‘‘(٥)، أي(وما احتيال فرعون الذي يحتال للإطلاع إلى إله موسى إلا في خسار وذهاب مالٍ وغبن)(٦).

(١) البقرة: ١٢].
(٢) تفسير القرطبي(١٥/٣١٤).
(٣) تفسير الواحدي(٢/٩٤٥).
(٤) تفسير ابن كثير(٤/٨١).
(٥) غافر: ٣٧].
(٦) تفسير الطبري(٢٤/٦٦).


الصفحة التالية
Icon