وتظهر شخصيته الماكرة في ردّه على السحرة عندما أعلنوا إيمانهم، فاتهمهم بما هو متلبس به،’’إنّ هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون‘‘(١). والمعنى إنّ غلبته لكم في يومكم هذا إنّما كان على تشاور منكم ورضا منكم لذلك، وحيلة احتلتموها أنتم وموسى وليس مما اقتضى الحال صدوره عنكم لقوة الدليل وظهور المعجزة، وهذا تمويه منه على القبط، يريهم أنّهم ما غُلبوا ولا انقطعت حجتهم. وهو يعلم-وكلّ من له لب-أنّ هذا الذي قاله من أبطل الباطل، فإنّ موسى عليه السلام بمجرد ماجاء من مدين دعا فرعون إلى الله وأظهر المعجزات الباهرة والحجج القاطعة على صدق ماجاء به، فعند ذلك أرسل فرعون في مدائن مملكته فجمع سحرة متفرقين من سائر الأقاليم ببلاد مصر ممن إختار هو والملأ من قومه، وأحضرهم عنده، ووعدهم بالعطاء الجزيل، ولهذا قد كانوا أحرص النّاس على ذلك وعلى الظهور في مقامهم ذلك والتقدم عند فرعون، وموسى عليه السلام لا يعرف أحدا منهم ولا رآه ولا اجتمع به وفرعون يعلم ذلك، وإنّما قال هذا تسترا وتدليسا على رعاع دولته وجهلتهم (٢)، وبهذا قلب فرعون الحقيقة، فهو الذي يمكر ويدبر في الخفاء ويجمع السحرة ويحشد النّاس والأعوان ويوزع الأدوار وينفق الأموال… ولكنّه المكر والاحتيال الذي يتقنه فرعون وكلّ من يدين بمثل منهجه.

(١) الأعراف: ١٢٣].
(٢) انظر: تفسير ابن كثير(٢/٢٣٩)وفتح القدير(٢/٢٣٤)وتفسير النسفي(٢/٣٠)وروح المعاني(٩/٢٧).


الصفحة التالية
Icon