ولكن ماذا كانت نتيجة مكره؟كانت وبالا عليه، فالله جلّ شأنه كان له بالمرصاد، يعلم تدبيره ويطلع على مكره، يقول تعالى:’’ولا يحيق المكر السيء إلاّ بأهله‘‘(١). أي(وما يعود وبال ذلك إلا عليهم أنفسهم دون غيرهم)(٢). فهل يتعظ المعاصرون بما حدث للغابرين؟فليسوا هم بأشد ممّن سبقهم مكرا ولا تدبيرا ولا كيدا، فأخذهم الله بذنوبهم وكانت عاقبة أمرهم خسرا، يقول تعالى:’’وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا‘‘(٣)، لقد جرّب الأولون فضرُّوا بمكرهم أنفسهم لأنهم أسخطوا ربهم بذلك على أنفسهم حتى أهلكهم ونجى رسله، فهو أحكم تدبيرا و أعظم كيدا(٤).
وأمّا الدّعاة إلى الله فنذكرهم بوصية الله لنبيه صلى الله عليه وسلّم، حيث يقول سبحانه:’’واصبر وما صبرك إلاّ بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق ممّا يمكرون‘‘(٥).(فلا يضيق صدره بمكرهم فإنما هو داعية لله، فالله حافظه من المكر والكيد، لا يدعه للماكرين الكائدين، وهو مخلص في دعوته لا يبتغي من ورائها شيئا لنفسه، وقد يقع به الأذى لامتحان صبره، ويبطيء عليه النصر لابتلاء ثقته بربه، ولكنّ العاقبة مظنونة ومعروفة، فلا عليه ممن يكيدون وممن يمكرون)(٦).
عبرة المبحث:’’ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين‘‘(٧).
لقد حاق المكر السيء بأهله، فأغرق الله فرعون وجنوده.. وها هم أهل مكة أجبروا الرسول ﷺ على الهجرة بسبب مكرهم وتآمرهم فأقام الله له دولة!فلماذا لا يتعظ اللاحقون بالسابقين؟أم أنّهم يحسبون أنفسهم على المكر أقدر؟فلربما سوّلت لهم أنفسهم أنّ ما لديهم من الخطط والإمكانيات أكثر، ولكن قد مكر الطواغيت من قبلهم’’وعند الله مكرهم‘‘(٨). أي(عنده ما يمكرهم به جزاء لمكرهم وإبطالا له)(٩).

(١) فاطر: ٤٣].
(٢) تفسير ابن كثير(٣/٥٦٣).
(٣) الرعد: ٤٢].
(٤) انظر: تفسير الطبري(١٣/١٧٥).
(٥) النّحل: ١٢٧].
(٦) في ظلال القرآن(٥/٢٩٣-٢٩٤)مع بعض التصرف.
(٧) الأنفال: ٣٠].
(٨) ابراهيم: ٤٦].
(٩) تفسير البيضاوي(٣/٣٥٥).


الصفحة التالية
Icon