لمعرفة العقدة الأساسية في شخصية فرعون لا بدّ من استحضار المهمة التي بُعث بها موسى عليه السلام، وهي إرسال بني إسرائيل من قبضة فرعون والكف عن تعذيبهم، وذلك ما يُرشد إليه قوله تعالى:’’فأتياه فقولا إنّا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تُعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى، إنّا قد أوحي إلينا أنّ العذاب على من كذّب وتولى‘‘(١). وقوله تعالى:’’فأتيا فرعون فقولا إنّا رسول رب العالمين، أن أرسل معنا بني إسرائيل‘‘(٢). أي(أطلقهم ولا تعذبهم بالتكاليف الصعبة وقتل الولدان)(٣)، ثمّ ما حمله هذا الخطاب من هجوم واضح على أهم ما تقوم عليه شخصية فرعون من دعوى الألوهية والربوبية، وظهر ذلك في قول موسى وهارون:’’إنّا رسولا ربك‘‘(٤)، والمعنى أنّهما(أُمرا بذلك تحقيقا للحق من أول الأمر ليعرف الطاغية شأنهما ويبنى جوابه عليه)(٥)؛فالمهمة بطرفيها المترابطين متصلة بالنّزعة الفوقية، وهي العقدة الأساسية في شخصية فرعون؛وبيان ذلك أنّ دعوى فرعون للألوهية والربوبية تكشف لنا عن مدى ما يشعر به من فوقية وتفوِّق على الآخرين، فالشعور بالتفوق وتَضَخُّمِهِ في نفس فرعون أدى به إلى ادعاء الألوهية والربوبية، وذلك ليضع نفسه في إطار من القدسية يُشبع تلك المشاعر. ولهذا تعرض موسى عليه السلام في خطابه لهذه العقدة الأساسية. أمّا القضية الثانية فهي ناتجة عن الشعور بالفوقية أيضا، حيث أفرز هذا الشعور المتضخم سلوكا تسلطيا من فرعون، فتسلط على من هم تحت يده، ولهذا كانت القضية الثانية في الخطاب إرسال بني إسرائيل.

(١) طه: ٤٧-٤٨].
(٢) الشعراء: ١٦-١٧].
(٣) تفسير البيضاوي(٤/٥٢-٥٣).
(٤) طه: ٤٧].
(٥) تفسير ابي السعود(٦/١٩).


الصفحة التالية
Icon