ومن العوامل المساعدة في إيجاد هذه النزعة عند فرعون أنّه وُلد ونشأ في عائلة مالكة تتمتع بالجاه والسلطة، فهو من سلالة الملوك، فتربى في بيئة تتنفس تلك النزعة، ثمّ إنّ فرعون نفسه امتاز عن غيره بثبات ملكه وقوته ممّا غذى تلك النزعة عنده. يقول تعالى:’’وفرعون ذو الأوتاد‘‘(١). أي ذو الملك الثابت(٢)، ولا شك أنّ قوة النّظام تنعكس على شخصية فرعون نفسه. لأنّ(ذو الأوتاد: صفة فرعون لا لجميع ما قبله وإلا لقيل ذوو الأوتاد)(٣).
لقد ظهرت النزعة الفوقية لفرعون في مقارنته لنفسه مع موسى عليه السلام، يقول تعالى حكاية لقول فرعون:’’أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين‘‘(٤)، أي(ضعيف حقير)(٥)؛ذلك أنّ احتقار الآخرين وازدرائهم من إفرازات النزعة الفوقية، فهو يرى كل ما عداه حقيرا تافها لا قيمة له. وهنا ندرك علة عدم اكتراث الطواغيت بآلام الجماهير وعذاباتهم، فهم-أي الطواغيت-يتصورون النّاس كائنات منزوعة الأحاسيس والمشاعر.
ونلاحظ هذا الظهور-لتلك النّزعة-في رده على الملأ حين طلبوا منه حلاً لمشكلة موسى، فرد عليهم بقوله:’’وإنّا فوقهم قاهرون‘‘(٦). وأراد بالفوقية العلو المعنوي وليس العلو المكاني(٧)، وتلك هي العقدة الأساسية التي تتفرع عنها باقي الخصائص في شخصية فرعون، والتي تمثلت آثارها في سلوك فرعون المَرَضي ومنهجه التعسفي.

(١) الفجر: ١٠].
(٢) انظر: تفسير القرطبي(١٥/١٥٤-١٥٥)وتفسير البيضاوي(٥/٣٨-٣٩)ومعاني القرآن(٦/٨٥).
(٣) روح المعاني(٢٣/١٧٠).
(٤) الزخرف: ٥٢].
(٥) تفسير الجلالين(١/٦٥٢).
(٦) الأعراف: ١٢٧].
(٧) انظر: اتقان ما يحسن من الأخبار(٢/١٩).


الصفحة التالية
Icon