ولقد بيّن القرآن الكريم حقيقة كفر فرعون، إمّا بالعبارة المباشرة وإمّا من خلال أقواله وأفعاله التي تدل على كفره. ولسنا هنا بصدد استقصاء كل الأدلة التي تثبت كفره، إنّما يكفي منها ما يبرهن على ذلك لنعلم أنّ فرعون من الكافرين، ثمّ لنرى بعد ذلك كيف كان الكفر سببا في تكوين وتشكيل شخصية فرعون، بمعنى أنّ كل رذيلة تلبس فيها فرعون أو جريمة ارتكبها لم تكن بهذه الصورة وهذا الحجم المأساويّ لولا كفره وعدم إيمانه.
والأدلة على كفره كثيرة منها:
قوله تعالى:’’واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنّوا أنّهم إلينا لا يرجعون‘‘(١). والشاهد فيها أنّ فرعون من الذين ظنّوا أنّهم لا يرجعون إلى الله، فمعنى الآية أن فرعون وجنوده اعتقدوا وحسبوا أنّهم إلى الله لا يرجعون بالنشور، فلا قيامة ولا معاد، فهم لا يؤمنون بالبعث بعد الموت فلا ثواب ولا عقاب (٢). و(الظنّ هنا شك، فكفر على الشك لأنّه قد رأى من البراهين ما لا يُخيّل على ذي فطرة)(٣)،(وقيل: أنّ الظنّ هنا بمعنى اليقين)(٤).(وهذا من كفره وتمرده أنّه كذّب موسى عليه الصلاة والسلام في أنّ الله عز وجل أرسله إليه)(٥)،
(ويحتمل أن يكون عنى به كاذبا في دعوى الرسالة، وأن يكون عنى به كاذبا في دعوى أنّ له إلها غيري)(٦)، وأيّ المعنيين أراد فرعون بقوله فهو كفر.

(١) القصص: ٣٩].
(٢) انظر: تفسير الطبري(٢٠/١٧٤)وتفسير البيضاوي(٤/٢٩٤)وتفسير ابن كثير(٣/٣٩١)وفتح القدير(٤/١٧٤)وزاد المسير(٦/٢٢٣).
(٣) تفسير القرطبي(١٣/٢٨٩).
(٤) تفسير القرطبي(٥/٣١٥).
(٥) تفسير ابن كثير(٤/٨١)وانظر: فتح القدير(٤/٤٩٢).
(٦) روح المعاني(٢٤/٧٠).


الصفحة التالية
Icon