إنّ عدم إيمان فرعون بيوم الحساب يبين لنا سببا مهما في ظهور هذه الشخصية؛ذلك أنّ(الإيمان باليوم الآخر له أثر عظيم في حياة النّاس، ذلك أنّ الإيمان به وبما فيه من جنّة ونار وحساب وعقاب، وثواب وفوز وخسران له أشدّ الأثر في توجيه الإنسان وانضباطه والتزامه بالعمل الصالح وتقوى الله عز وجلّ، وشتان ما بين اثنين: أحدهما لا يعتقد ببعث ولا حساب على أعماله وأقواله، ولا يقيده غير مصلحته الشخصية ومنفعته الذاتيّة، وآخر يعتقد بيوم يحاكم فيه الإنسان على أعماله وأقواله أمام أعدل العادلين فيثاب على الخير، ويعاقب على الشر. فالأول منفلت من أي ضابط سوى هواه وشهوته، والغاية عنده غاية أنانية تبرر أي وسيلة وأي خُلُق وأي عمل، مهما كان ضرره. والآخر منضبط في حدود الحق والخير والصلاح، وهي الأمور التي لها وزن واعتبار عند الله في ذلك اليوم)(١)، ، كما قال تعالى:’’والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون‘‘(٢).
إنّ الذي لا يؤمن بالبعث والنّشور لا يؤمن أنّ هناك حياة أخرى، وبتصوره هذا يعتبر هذه الحياة فرصته الوحيدة، فيكون جشعا في اغتنام فرصته الوحيدة-حسب تصوره واعتقاده-، وسيعمل بكل ما أوتي من قدرة على استغلال فرصته الوحيدة، فهو نفعيّ مادي لايرى رسالة له سوى تحقيق أكبر قدر من اللذة، وهذا سبب في انتشار العقلية النّفعية في العالم، بل وسبب في نشوء مذهب الرأسمالية. فما دام الإنسان لا يؤمن بالحياة الأخرى فلن يتوانى في سبيل تحقيق رغباته ومطالبه بأي وسيلة كانت لإشباع نهمه، وهو يرى فرصته الوحيدة تأكلها الأيام والسنون.. فتغيب الأخلاق حتما لأنّ ما لا يحقق لذة أو يجلب منفعة لا يُقبل في حياتهم.

(١) ياسين: محمد نعيم، الإيمان أركانه حقيقته نواقضه، جزء واحد، ط٣، الطابعون، جمعية عمال المطابع التعاونية، عمّان، ١٤٠٢هـ، ١٩٨٢م.(٧٤-٧٥).
(٢) الأعراف: ٨-٩].


الصفحة التالية
Icon