ومن المعلوم أنّ أتباع الرسل كانوا من الفقراء والضعفاء الذين لا يعوّق إيمانهم مصلحة ولا جاه ولا مال ولا سلطة، وهذا ما نطق به هرقل لإبي سفيان في حواره معه حين قال:’’وسألتك أشراف النّاس يتّبعونه أم ضعفاؤهم فزعمت أنّ ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل‘‘(١)، وفي هذا بعض ما نفهم به ظهور شخصية فرعون، إذ أن تلك المكتسبات معوّقات للإيمان، لأنّ إيمان فرعون يعني التنازل عن كلّ ما ليس له به حق.
لقد تراكمت على قلب فرعون ظلمات بعضها فوق بعض(من حب الدنيا وحب الجاه وحب الثناء وحب الرياسة وحب الشهوات وفتن الدنيا…فإذا عرض عليه ذكر شيء هو حق-وعلى الحق نور-حالت الظلمة بين نور الحق ونور القلب فلم يمتزجا، ولم يعرف القلب ذلك الحق فصاحبه في ظلمة، وإذا عرض أمر هو باطل-وعلى الباطل ظلمة-امتزج الباطل بظلمة الشهوات ورين الذنوب)(٢). يقول الله تعالى:’’كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون‘‘(٣)، والران(صدأ الذنوب الذي سود قلوبهم، فلم يصل إليها بعد ذلك في الدنيا شيء من معرفة الله ولا من إجلاله ومهابته وخشيته)(٤).
المكتسبات أو الإمتيازات التي تمتع بها فرعون

(١) صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب دعاء النبي ﷺ إلى الإسلام والنبوة، وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله، وقوله تعالى:’ما كان لبشر أن يوتيه الله‘، إلى آخر الآية(٣/١٠٧٦)رقم(٢٧٨٢).
(٢) الترمذي: أبو عبدالله الحكيم، محمد بن علي بن الحسن، نوادر الأصول في أحاديث الرسول، ٤أجزاء، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، ط١، دار الجيل، بيروت، ١٩٩٢م.(١/٢٤١)مع بعض التصرف، وسأشير إليه لاحقا هكذا(نوادر الأصول).
(٣) المطففين: ١٤].
(٤) ابن رجب: أبو الفرج، عبد الرحمن بن أحمد الحنبلي،(٧٣٦-٧٩٥هـ)، التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار، جزء واحد، ط١، مكتبة دار البيان، دمشق، ١٣٩٩هـ.(١٤٣)، وسأشير إليه لاحقا هكذا(التخويف من النّار).


الصفحة التالية
Icon