إنّ الطاغوت مشغوف بحب الظهور فتراه يقرِّب منه أصحاب الذمم الميتة من الشعراء والأدباء والخطباء وأصحاب الأقلام المأجورة كي يُكيلوا له المديح والثناء إشباعا لنزعته في حب الظهور، بل إنّ وظيفة الجهاز الإعلامي الأولى هي تمجيد الزعيم والاهتمام بأعياده الخاصة!
إنّ الحكم والجاه مدار صراع بين النّاس وعليه تكالبهم، يقول تعالى:’’فما اختلفوا إلا بعد ما جاءهمُ العِلم بَغْياً بينهم‘‘(١)أي(فما وقع الخلاف بينهم في الدين إلا من بعد ما جاءهم ما هو موجب لزوال الخلاف وهو العلم، وإنّما اختلفوا لبغى حدث بينهم حسدا وطلبا وجلبا للرياسة)(٢)، وإلى هذا المرض ترجع كثير من المنازعات المغلفة بشعارات كاذبة تخفي ورائها حب الرياسة والظهور؛ذلك هو معنى الحديث:’’ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لهما من حرص المرء على المال والشرف لدينه‘‘(٣)، فأنت كما ترى أن حب الرياسة مرض يجلب الفساد على الحاكم والمحكوم سواء.
(فحب الرياسة والجاه من أمراض القلوب، وهو من أضر غوائل النّفس وبواطن مكائدها)(٤)، بل إنّ حب الرياسة شر من حب الدنيا، ومن ثمّ قيل: الدنيا خمر الشيطان فمن شرب منها لم يفق من سكرتها إلا في عسكر الموتى خاسرا نادما، وقالوا: (حب الرياسة أصل كل موبقة)(٥).

(١) الجاثية: ١٧].
(٢) تفسير النسفي(٤/١٣١)مع بعض التصرف.
(٣) مسند أحمد(٣/٤٥٦)وسنن الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في أخذ المال(٤/٥٨٨)رقم(٢٣٧٦)قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. سنن الدارمي، كتاب الرقائق، باب ما ذئبان جائعان(٢/٣٩٤)رقم(٢٧٣٠).
(٤) فيض القدير(٣/١٩٦).
(٥) ابن الجوزي: أبو الفرج، عبد الرحمن بن علي بن محمد،(٥١٠- ٥٩٧هـ)، صفوة الصفوة، ٤أجزاء، تحقيق: محمود فاخوري ومحمد رواس قلعه جي، ط٢، دار المعرفة، بيروت، ١٣٩٩هـ – ١٩٧٩م.(٤/٢٣٦)، وسأشير إليه لاحقا هكذا(صفوة الصفوة).


الصفحة التالية
Icon