(ولمّا كانوا تبعا لفرعون في هذا الأمر يمشون خلفه، ويتبعون خطواته الضالة بلا تدبر ولا تفكر، ودون أن يكون لهم رأي، مستهينين بأنفسهم، متخلين عن تكريم الله لهم بالإرادة والعقل وحرية الاتجاه واختيار الطريق.. لما كانوا كذلك فإنّ فرعون سيقدمهم يوم القيامة ويكونون له تبعا)(١). يقول تعالى:’’فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد، يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود، وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود‘‘(٢)،(فأوردهم إياها وشربوا من حياض رداها، وله في ذلك الحظ الأوفر من العذاب الأكبر)(٣)؛ذلك أنّ نهاية وعاقبة الذين يتبعون أئمة الضلال وخيمة وحسرتهم كبيرة، حين يقولون:’’لو أنّ لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منّا، كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النّار‘‘(٤). إنّها لحظات مرّة ومريرة، حيث لا ينفع النّدم، ولا يُقبل عدل ولا تنفع شفاعة. فهل من رجوع إلى الله قبل أن تأتي ساعة لا مردّ لها من الله.
الأسباب الحقيقة لاتباع الملأ أمر فرعون
إنّ رفض الحق وعدم الإنصياع له بعد ظهوره من قبل الملأ له أسبابه، كما هو الحال عند كل من يمتنع عن قبول الحق، وليست هذه الأسباب مرتبطة بقصور الحجة بل إنّ النصوص تثبت والوقائع كلها أنّ هذا الإمتناع كان بعد علمهم وتيّقنهم أنّ ما جاء به موسى هو الحق من الله، فهناك موانع خاصة ومصالح دنيوية تلعب دورا مهما في قبول أو رفض الحق، وهكذا كان الملأ من قوم فرعون، فعدى عن كونهم كفروا بآيات واستكبروا وظلموا وفسقوا وأجرموا، فهم أيضا استحبوا الحياة الدنيا، وآثروا العاجلة على الآخرة، حيث أعمتهم مصالحهم القريبة الفانية عن رؤية الحق والحقيقة، وهذه علة مزمنة وعاهة مستديمة ومرض الحكومات الفاجرة والبطانة المساندة.
إنّ مصالح الملأ تدور على محورين هما:

(١) في ظلال القرآن(٤/٤١٩).
(٢) هود: ٩٦-٩٩].
(٣) تفسير ابن كثير(٢/٤٥٩).
(٤) البقرة: ١٦٧].


الصفحة التالية
Icon