أولا: الكبر والمحافظة على الموروث والحرص على الرياسة الدنيوية، حيث لم يُخفِ الملأ علّتهم حيث قالوا:’’أجئتنا لتلفتنا(١)عمّا وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين‘‘(٢). أي أجئتنا لتلفتنا أي تثنينا وتصرفنا وتلوينا وتردنا عمّا وجدنا عليه آباءنا، أي الدين الذي كانوا عليه من عبادة الأصنام أو عبادة فرعون. وتكون لكما أي لك ولهارون الكبرياء في الأرض، أي العظمة والرياسة والعز والسلطان والملك فيها، لأنّ الملوك موصوفون بالكبر والعظمة والعلو.. فما نحن لكما بمصدقين فيما جئتما به (٣).
(وفي هذا ما يدل على أنهم انقطعوا عن الدليل وعجزوا عن إبراز الحجة، ولم يجدوا ما يجيبون به عما أورده عليهم، بل لجئوا إلى ما يلجأ إليه أهل الجهل والبلادة وهو الاحتجاج بما كان عليه آباؤهم من الكفر، وضموا إلى ذلك ما هو غرضهم وغاية مطلبهم وسبب مكابرتهم للحق وجحودهم للآيات البينة وهو الرياسة الدنيوية التى خافوا عليها، وظنوا أنها ستذهب عنهم إن آمنوا.. والحاصل أنّهم علّلوا عدم قبولهم دعوة موسى بأمرين: التمسك بالتقليد للآباء، والحرص على الرياسة الدنيوية، لأنّهم إذا أجابوا النّبي وصدقوه صارت مقاليد أمر أمته إليه، ولم يبق للملك رئاسة تامة، لأنّ التدبير للناس بالدين يرفع تدبير الملوك لهم بالسياسات والعادات. ثم قالوا وما نحن لكما بمؤمنين تصريحا منهم بالتكذيب وقطعا للطمع في إيمانهم)(٤).

(١) اللفت الصرف، يقال: ما لفتك عن فلان أي ما صرفك عنه، واللفت لي الشيء عن جهته كما تقبض على عنق إنسان فتلفته)لسان العرب، مادة: لفت(٢/٨٤-٨٥). ومعنى(لتلفتنا لتصرفنا والالتفات الانصراف)التبيان في تفسير غريب القرآن(١/٢٣٢).
(٢) يونس: ٧٨].
(٣) انظر: تفسير ابن كثير(٢/٤٢٧)وتفسير الثعالبي(٢/١٨٧)وتفسير ابي السعود(٤/١٦٩)وتفسير الواحدي(١/٥٠٥)وتفسير البغوي(٢/٣٦٣).
(٤) فتح القدير(٢/٤٦٥)مع بعض التصرف.


الصفحة التالية
Icon