وهكذا كان الملأ من قريش يتخوَّفون من دعوة الرسول ﷺ من أن تسلبهم مراكزهم التي أفرزها الوضع الجاهلي الذي يعيشون فيه، فإن تَغَيَّرَ هذا الوضع زالت عنهم تلك الزعامة الظالمة والمكاسب الخاصة، فهم المستفيدون من هذا التفاوت الطبقي الجائر، يقول تعالى:’’وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إنّ هذا لشيء يراد‘‘(١)، لقد أطلقوا تحذيراتهم وصفارات إنذاراتهم قائلين: (إنّ هذا الذي يدعونا إليه محمد ﷺ من التوحيد لشيء يريد به الشرف عليكم والاستعلاء، وأن يكون له منكم أتباع ولسنا نجيبه إليه)(٢)، إنّها العلة القديمة الجديدة، يَستُرونَها بأغطية متنوعة متعددة؛مرة بدعوى المحافظة على أمن البلد.. ومرة بعدم السماح للمخربين من تحقيق مآربهم.. ومرة من أجل مستقبل مشرق بأيد أمينة!وكلّها أغطية تستر وراءها أطماع الملأ والحاشية المقربة.
المشاركة العملية للملأ
من أجل مصالحهم شاركوا في تثبيت النظام، فهم جشعون نفعيّون وصوليون، ولهذا دعموا فرعون في موقفه من موسى والدعوة الجديدة، فهم ممتنعون عن قبول الحق رافضون له كما تقدم، ويعلنون اتِّباعهم لفرعون ومنهجه وطريقة حكمه. ثمّ بعد هذا يشاركون عمليا في تصريف شؤون الحكم والدولة، ويحافظون على النظام، حتى أنّ النّص القرآني-في أول إشارة منه إلى طبيعة مشاركتهم-لم يذكر معهم فرعون، فكأنّ ما قاموا به من مؤامرة على موسى يقع ضمن صلاحياتهم، أو أنّهم بادروا من تلقاء أنفسهم لحماية الحكومة للتدليل على مدى إخلاصهم لفرعون، وكان ذلك عندما وكز موسى عليه السلام القبطي دفاعا عن مظلوم من بني قومه فقضى عليه.

(١) ص: ٦].
(٢) تفسير الطبري(٢٣/١٢٦).


الصفحة التالية
Icon