(لقد عرف الملأ من قوم فرعون، وهم رجال حاشيته وحكومته والمقربون إليه أنّها فعلة موسى. وما من شك أنّهم أحسوا فيها بشبح الخطر، فهي فعلة طابعها الثورة والتمرد، والإنتصار لبني إسرائيل؛فهي ظاهرة خطيرة تستحق التآمر. ولو كانت جريمة قتل عادية ما استحقت أن يشتغل بها الملأ والكبراء)(١). وفي هذا دليل على مدى حرصهم على نظام فرعون، وحزمهم في القضاء على أي نوع من التململ الذي ينذر بالتّمرد على النظام.
فها هم يديرون المؤامرة في الخفاء لقتل موسى، فالقتل جزء من المعالجة لأي تمرد قد يقع، كما أنّه وسيلة لإرهاب من تحدثه نفسه بالخروج على النّظام. ويتسرب الخبر إلى رجل يميل بقلبه إلى دعوة موسى، فينطلق إليه مخبرا.(ذُكر أن قول الإسرائيلي سمعه سامع فأفشاه وأعلم به أهل القتيل، فحينئذ طلب فرعون موسى وأمر بقتله، فلمّا أمر بقتله جاء موسى مخبر وخبره بما قد أمر به فرعون في أمره، وأشار عليه بالخروج من مصر بلد فرعون وقومه)(٢). وهذا ما يرشد إليه قوله تعالى:’’وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى قال يا موسى إنّ الملأ يأتمرون(٣)بك ليقتلوك فاخرج إنّي لك من النّاصحين‘‘(٤). أي(إنّ الملأ-وهم وجوه أهل دولة فرعون-يأتمرون بك أي يتشاورون بسببك، وإنّما سمي التشاور ائتمار لأنّ كلا من المتشاورين يأمر الآخر ويأتمر ليقتلوك، فاخرج من المدينة قبل أن يظفروا بك إنّي لك من النّاصحين)(٥).

(١) في ظلال القرآن(٦/٣٣٥).
(٢) تفسير الطبري(٢٠/٥٠).
(٣) تأمروا على الأمر وائتمروا تماروا وأجمعوا آراءهم)لسان العرب، مادة: أمر(٤/٢٩). و(يأتمرون بك: يتآمرون في قتلك)التبيان في تفسير غريب القرآن(١/٣٢٧).
(٤) القصص: ٢٠].
(٥) روح المعاني(٢٠/٥٨).


الصفحة التالية
Icon