إنّهم موجودون نراهم ونحس بأدوارهم ومكرهم وخبثهم. إنّهم أولئك المنتفشون الذين يحتقرون الجماهير، وينظرون إليهم نظرة فوقية، ويزدرونهم ويحتقرونهم. إنّها نفس المشاعر القديمة والتي عبَّر عنها الملأ من قوم نوح-عليه السلام-حين قالوا:’’وما نراك اتَّبعك إلاَّ الذين هم أراذلنا بادي الرأي‘‘(١)، و(إنّما استرذلوا المؤمنين لفقرهم وتأخرهم في الأسباب الدنيوية)(٢). إنّها ذات المشاعر الهابطة التي دفعت الزعامة المستعلية من كفّار قريش أن يطلبوا أن يكون لهم مجلس خاص لا يجلس معهم فيه الفقراء؛ذلك ليحافظوا على الفوارق التي عليها يقتاتون ومنها يستمدون جاههم المزعوم؛فمصالحهم تتصادم مع مصالح الطبقة العريضة المسحوقة. عن المقدام بن شريح عن أبيه عن سعد قال:(كنّا مع النبي ﷺ ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترؤن علينا. قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما فوقع في نفس رسول الله ﷺ ما شاء الله أن يقع، فحدث نفسه، فأنزل الله عز وجل’’ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه‘‘(٣)(٤)، وتلك هي معجزة هذا الدّين التي أرادها الله ورفضها الملأ!
إنّ الملأ يشكلون خط الدفاع الأول للطاغوت، وهم الذين يكافحون الحق ويُلحقون الأذى بالأنبياء وأتباعهم، ولهذا دعا الرسول ﷺ عليهم،’’اللهم عليك الملأ من قريش. اللهم عليك أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف أو أبي بن خلف‘‘(٥)؛ذلك بأنّهم حجر عثرة أمام تقدُّم الحق!

(١) هود: ٢٨].
(٢) الكشاف(٢/٣٧٤).
(٣) الأنعام: ٥٢].
(٤) صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب في فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه(٤/١٨٧٨)رقم(٢٤١٣).
(٥) صحيح البخاري، أبواب الجزية والموادعة، باب طرح جيف المشركين في البئر ولا يؤخذ لهم ثمن(٣/١١٦٣)رقم(٣٠١٤).


الصفحة التالية
Icon