إنّ فسق قوم فرعون مكّن فرعون من استخفافهم-كما بيّن القرآن-ليصبحوا أداة طيّعة بيده الآثمة، وسببا من أسباب عتوه وتجبره؛فهي جماهير خاوية ميّتة مُفرغة من أي محتوى أو مضمون، يقول تعالى:’’فاستخف قومه فأطاعوه(١)إنّهم كانوا قوما فاسقين‘‘(٢). أي(طلب منهم الخفة في مطاوعته أو فاستخف أحلامهم فأطاعوه فيما أمرهم به، إنّهم كانوا قوما فاسقين فلذلك أطاعوا ذلك الفاسق)(٣)، وذلك لأنّه دعاهم إلى الإعتراف له بالإلهية فأجابوه إلى ذلك بقلة عقولهم وسخافة أذهانهم،(وإنّما أطاعوه فاستجابوا لما دعاهم إليه عدو الله من تصديقه وتكذيب موسى لأنهم كانوا قوما عن طاعة الله خارجين بخذلانه إياهم وطبعه على قلوبهم)(٤)،(فإنّ قوما صدقوه في قوله:’’أنا ربكم الأعلى‘‘(٥)، من أجهل خلق الله وأضلهم)(٦).

(١) أي حملهم على الخفة والجهل. يقال: استخفه عن رأيه واستفزه عن رأيه إذا حمله على الجهل وأزاله عما كان عليه من الصواب، واستخف به أهانه)لسان العرب، مادة: خفف(٩/٨٠). و(المعنى فاستجهل قومه فأطاعوه لخفة أحلامهم وقلة عقولهم. يقال: استخفه الفرح أي أزعجه، واستخفه أي حمله على الجهل، ومنه’’ولا يستخفنك الذين لا يوقنون‘‘[الروم: ٦٠]. وقيل: استفزهم بالقول فأطاعوه على التكذيب. وقيل: استخف قومه أي وجدهم خفاف العقول، وهذا لا يدل على أنه يجب أن يطيعوه، فلا بد من إضمار بعيد تقديره وجدهم خفاف العقول فدعاهم إلى الغواية فأطاعوه. وقيل: استخف قومه وقهرهم حتى اتبعوه، يقال: استخفه خلاف استثقله واستخف به أهانه. إنّهم كانوا قوما فاسقين أي خارجين عن طاعة الله)القرطبي(١٦/١٠١). وانظر: فتح القدير(٤/٥٦٠).
(٢) الزخرف: ٥٤].
(٣) تفسير البيضاوي(٥/١٤٩)وانظر: تفسير ابي السعود(٨/٥٠).
(٤) نفسير الطبري(٢٥/٨٤).
(٥) النّازعات: ٢٤].
(٦) تفسير ابن كثير(٢/٢٣٩).


الصفحة التالية
Icon