وكما كان فسق قوم فرعون علة في استخفاف فرعون لهم وطاعتهم له، كان فسقهم-أيضا- علة في بعث موسى عليه السلام إليهم بالآيات، حيث جمعهم القرآن مع فرعون في تلك المهمة التي بُعث بها موسى عليه السلام، ودليل ذلك قوله تعالى:’’وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنّهم كانوا قوما فاسقين، فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين‘‘(١). وقوله:’’إنّهم كانوا قوما فاسقين‘‘تعليل للإرسال، أي(خارجين عن طاعة الله)(٢)،(فهم أحقاء بأن يُرسل إليهم)(٣)، حتى إذا جاءتهم آيات الله واضحة بينة قالوا: هذا سحر مبين واضح سحريته، جروا على عادتهم من التكذيب فلهذا قال:’’وجحدوا بها‘‘أي وكذبوا بها وقد استيقنتها أنفسهم ظلما، حيث حطّوها عن رتبتها العالية وسمّوها سحرا، وأي ظلم أفحش من ظلم من استيقن أنّها آيات من عند الله ثمّ سمّاها سحرا بيّنا(٤).
ثانيا: العلو والظلم والإفساد. لقد اتصفوا بالعلوّ والإستكبار؛ذلك أنّهم تيقنوا أنّ الآيات التي جاء بها موسى هي من عند الله وأنّها ليست سحرا، ولكنّهم كفروا بها وتكبّروا أن يؤمنوا بموسى، وهذا يدلّ على أنّهم كانوا معاندين. فانظر كيف كان عاقبة المفسدين الكافرين الطاغين وهو الإغراق في الدنيا فى البحر على تلك الصفة الهائلة والإحراق في الآخرة فإنّ فيه معتبرا للمعتبرين(٥). يقول تعالى:’’وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين‘‘(٦)؛ذلك أن جحود الحق فساد كبير يبدأ في النّفس ثمّ تظهر آثاره في واقع الحياة.

(١) النّمل: ١٢-١٤].
(٢) تفسير القرطبي(١٣/١٦٣).
(٣) تفسير البيضاوي(٤/٢٩٢).
(٤) انظر: تفسير أبي السعود(٦/٢٧٥)وتفسير البيضاوي(٤/٢٦١).
(٥) انظر: تفسير الواحدي(٢/٨٠١)وتفسير القرطبي(١٣/١٦٣)وتفسير أبي السعود(٦/٢٧٥)وزاد المسير(٦/١٥٨)وتفسير النسفي(٣/٢٠٦)وروح المعاني(١٩/١٦٨).
(٦) النّمل: ١٤].


الصفحة التالية
Icon