لقد ساهم السحرة في انحراف فرعون وإظهار شخصيته، حيث كان الفراعنة يعتمدون في وثنيتهم على الكهنة والسحرة، بل نستطيع القول أنّ السحرة كانوا يمثلون المرتبة الأولى في طبقة الكهنة، في واقع انتشر فيه السحر إنتشارا واسعا(١)، وممّا يؤيّد هذا(أنّ معجزة كل رسول موافقة للأغلب من أحوال عصره والشائع المنتشر في ناس دهره، لأنّ موسى عليه السلام حين بعث في عصر السحرة خص من فلق البحر يبسا وقلب العصا حية، ما بهر كل ساحر وأذل كل كافر)(٢).
ويظهر هذا في شواهد عديدة منها قول فرعون:’’فلنأتينّك بسحر مثله‘‘(٣). أي(لنعارضنّ ما جئت به، ليتبين للنّاس أن ما أتيت به ليس من عند الله)(٤)، وإنّما هو سحر يقدر على مثله الساحر، حيث تصور فرعون أن كل ما لدى موسى هو سحر وسوف يقابله بسحر مثله، وذلك بسبب سيطرة السحر على عقولهم وتصوراتهم.
كما يظهر تأثير السحر في ردهم على الحق الذي جاء به موسى بقولهم:’’إنّ هذا لساحر عليم‘‘(٥).(فروَّج عليهم فرعون أنّ هذا من قبيل السحر لا من قبيل المعجزة)(٦)، فهي فرية قريبة من عقول النّاس، فهي الأنسب في الرد على موسى. ولهذا كان اتهام موسى بالسحر هو الردّ الأبرز من بين ردودهم، والأكثر تداولا وشيوعا فيما بينهم.

(١) انظر: البداية والنّهاية(١/٢٥٤).
(٢) الماوردي: أبو الحسن، علي بن محمد بن حبيب،(٣٧٠-٤٢٩هـ)، أعلام النبوة، جزء واحد، تحقيق: محمد المعتصم بالله البغدادي، ط١، دار الكتاب العربي، بيروت، ١٩٨٧م.(٩٧)، وسأشير إليه لاحقا هكذا(أعلام النّبوة).
(٣) طه: ٥٨].
(٤) تفسير القرطبي(١١/٢١٢). وانظر: تفسير الواحدي(٢/٦٩٨)وفتح القدير(٣/٣٧٠)وزاد المسير(٥/٢٩٤)وتفسير الجلالين(١/٤١٠)وتفسير النسفي(٣/٥٨).
(٥) الشعراء: ٣٤].
(٦) تفسير ابن كثير(٣/٣٣٤).


الصفحة التالية
Icon