شخصية فرعون في القرآن

ويظهر هذا التأثير من قول عامة النّاس عندما اجتمعوا لحضور المباراة:’’لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين‘‘(١). والمعنى(كي نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين موسى)(٢)، ويكون(الترجي على تقدير غلبتهم ليستمروا على دينهم فلا يتبعوا موسى)(٣). وفي هذا دلالة واضحة على مدى ثقة النّاس بالسحرة وإيمانهم بقدرتهم على الغلبة، وهذا يعني أنّ السحر منتشر وله فاعلية حتى في تصورات الجماهير ومعتقداتهم.
كما يظهر الإنتشار والتأثير في قول السحرة فيما بينهم:’’إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى‘‘(٤).(والغرض أنّ السحرة قالوا فيما بينهم: تعلمون أنّ هذا الرجل وأخاه-يعنون موسى وهارون-ساحران عالمان خبيران بصناعة السحر، يريدان في هذا اليوم أن يغلباكم وقومكم، ويستوليا على الناس وتتبعهما العامة، ويقاتلا فرعون وجنوده فينصرا عليه ويخرجاكم من أرضكم. وقولهم:’’ويذهبا بطريقتكم المثلى‘‘، أي ويستبدا بهذه الطريقة وهي السحر، فإنّهم كانوا مُعظَّمين بسببها لهم أموال وأرزاق عليها. يقولون إذا غلب هذان أهلكاكم، وأخرجاكم من الأرض، وتفردا بذلك، وتمحضت لهما الرياسة بها دونكم)(٥)، ويظهر من قولهم هذا سر وقوفهم مع فرعون في الرد على موسى،(على أنّ هذه المقالة منهم للإغراء بالمبالغة في المغالبة والاهتمام بالمناصبة، فلا بدّ أن يكون الإنذار والتحذير بأشد المكاره وأشقها عليهم)(٦)، ألا وهو ذهاب تعظيمهم وأرزاقهم التي يكسبونها من وراء سحرهم. وفي هذا دلالة كبيرة على الإحترام الذي يتمتع به السحرة في وسط يعظّم السحر والسحرة.