لقد بيّن القرآن الكريم موقف السحرة قبل أن تحصل المعجزة الكبرى أمامهم بانتصار موسى عليه السلام وهزيمتهم، حيث كان همهم هو المادة ومتاع الدنيا، مما يدل على المستوى النفسي الذي كان يعيشه السحرة، وكذلك يدلُّ على أنّهم أداة من أدوات التضليل التي استعان بها فرعون لقلب الحقيقة وتزويرها. يقول تعالى:’’فلمّا جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنّا نحن الغالبين، قال نعم وإنّكم إذا لمن المقربين‘‘(١). إنهم يقفون بين يدي فرعون صفوفا (وهو يحرضهم ويحثهم ويرغبهم في إجادة عملهم في ذلك اليوم، ويتمنون عليه وهو يعدهم ويمنيهم. يقولون أئنّ لنا لأجرا إن كنّا نحن الغالبين؟قال: نعم، وإنّكم إذا لمن المقربين. قال لهم موسى: ويلكم لا تفتروا على الله كذبا، أي لا تخيلوا النّاس-بأعمالكم-إيجاد أشياء لا حقائق لها وإنّها مخلوقة وليست مخلوقة، فتكونون قد كذبتم على الله، فيسحتكم بعذاب أي يهلككم بعقوبة هلاكا لا بقية له، وقد خاب من افترى)(٢).
ووصل الأمر بالسحرة أن أقسموا بعزة فرعون وعظمته، يقول تعالى:’’فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون(٣)إنّا لنحن الغالبون‘‘(٤). وأي شيء أكبر دلالة على دعمهم لفرعون من هذا القول، حين(أقسموا بقوة فرعون وشدة سلطانه ومنعة مملكته إنّا لنحن الغالبون موسى)(٥)، والمعنى أنّهم أقسموا(على أنّ الغلبة لهم لفرط اعتقادهم في أنفسهم، أو لإتيانهم بأقصى ما يمكن أن يؤتى به من السحر)(٦).
الطاغوت المعاصر والفئات المشاركة

(١) الشعراء: ٤١-٤٢].
(٢) تفسير ابن كثير(٣/١٥٨).
(٣) قولهم(بعزة فرعون)وجهين الأول أنه قسم وجوابه إنا لنحن الغالبون والثانى متعلق بمحذوف والباء للسببية أى نغلب بسبب عزته والمراد بالعزة العظمة)فتح القدير(٤/٩٩).
(٤) الشعراء: ٤٤].
(٥) تفسير الطبري(١٩/٧٢). وانظر: تفسير النسفي(٣/١٨٥).
(٦) تفسير البيضاوي(٤/٢٣٨). وانظر: تفسير أبي السعود(٦/٢٤٢).


الصفحة التالية
Icon