وعلى ضوء هذا التعريف اللغوي يمكننا أن نُعرّف الوسائل التي استعملها فرعون على أنّها مجموع الأفعال التي توصّل بها فرعون إلى مراميه وأهدافه وغاياته، والتي تصب في نهايتها في تثبيت حكمه ونظامه، وذلك بطريق مباشره وغير مباشرة. يحارب موسى وجها لوجه تارة، ويحاربه من وراء ستار تارة أخرى.
ولقد أنتجت هذه الوسائل نظاما قويا متينا من النّاحية المادية، ودلّ على ذلك قوله تعالى:’’وفرعون(١)ذو الأوتاد‘‘(٢). أي ذو الملك الثابت، أو ذو البناء المحكم، والجنود الكثيرة(٣). ومن الشواهد التي تدل على متانة نظامه وتطوّره المادي تلك الأهرامات التي ما زالت ماثلة حتى يومنا هذا، وليس هذا غريبا؛ذلك(أنّ للطبائع الملتوية أسلوبا تنجح به في ميادين شتى، فإذا تعلق الأمر بالعقائد والفضائل والمبادىء لم تصب من النجاح سهما، ذلك أنّ طريق أصحاب المثل غير طريق أصحاب المصالح، وسياسة الدعوات القائمة على الشرف والمرتبطة بالسماء غير سياسة التطلع والترصد)(٤)، وتلك هي سياسة فرعون المجردة من القيم والمثل والأخلاق.
لقد بيّن القرآن الكريم وسائل فرعون في تثبيت حكمه وبناء شخصيته، حيث تراوحت ما بين القهر والتعذيب تارة، والترغيب تارة أخرى. فَقِسْمٌ من النّاس تُخضعه العصا والآخر تُشترى ذممهم، وما بين العصا والجزرة كان التجهيل والتضليل والكذب. فتلك هي وسائل الطاغوت لا تخرج من وحل الرجس ومستنقع الرذيلة.
(٢) الفجر: ١٠].
(٣) انظر: تفسير القرطبي(١٥/١٥٤-١٥٥)وتفسير البيضاوي(٥/٣٨-٣٩)ومعاني القرآن(٦/٨٥)وتفسير ابي السعود(٧/٢١٧)وفتح القدير(٤/٤٢٣)وتفسير النسفي(٤/٣٤).
(٤) في موكب الدعوة(١٧٢).