ولكنّ المُلْفِت للنّظر هو خطابه لقومه:’’ذروني اقتل موسى وليدع ربه‘‘(١). فهل هذا عزم من فرعون لعنه الله تعالى على قتل موسى عليه الصلاة السلام؟أي قال لقومه دعوني حتى أقتل لكم هذا، وقد كانوا يكفونه عن قتله، ويقولون: إنّه ليس الذي تخافه بل هو ساحر، ولو قتلته ظن أنك عجزت عن معارضته بالحجة، أم هو تعلل منه بذلك مع كونه سفاكا في أهون شيء؟ممّا يدلّ على أنّه تيقن أنه نبي فخاف من قتله، أو ظنّ أنّه لو حاوله لم يتيسر له، ويؤيده قوله:’’وليدع ربه‘‘، فإنّه تجلد وعدم مبالاة بدعائه، أي لا أبالي منه وهذا في غاية الجحد والعناد، فكأنّه قيل له: إنّا نخاف أن يدعو عليك فيجاب. فقال: وليدع ربه الذي يزعم أنّه أرسله إلينا فيمنعه منّا، أي لا يهولنكم ما يذكر من ربه فإنّه لا حقيقة له، وأنا ربكم الأعلى(٢).
(والظاهر أنّه-لعنه الله تعالى-استيقن أنّه عليه السلام نبي، ولكن كان فيه خب، وكان قتالا سفاكا للدماء في أهون شيء. فكيف لا يقتل من أضعف منه بأنّه الذي يهدد عرشه ويهدم ملكه؟ولكنّه يخاف إن هم بقتله أن يُعاجل بالهلاك. فقوله:’’ذروني أقتل موسى وليدع ربه‘‘كان تمويها على قومه وإيهاما أنهم هم الذين يكفونه، وما كان يكفه إلاّ ما في نفسه من هول الفزع، ويرشد إلى ذلك قوله:’’وليدع ربه‘‘، لأنّ ظاهره الإستهانة بموسى عليه السلام بدعائه ربه سبحانه، كما يقال: ادع ناصرك فإني منتقم منك، وباطنه أنّه كان ترعد فرائصه من دعاء موسى ربه، فلهذا تكلم به أول ما تكلم، وأظهر أنّه لا يبالي بدعاء ربه، وما هو إلا كمن قال: ذروني أفعل كذا، وما كان فليكن، وإلاّ فما كان لمن يدعي أنه ربهم الأعلى أن يجعل لما يدعيه موسى عليه السلام وزنا فيتفوه به تهكما أو حقيقة)(٣).

(١) غافر: ٢٥].
(٢) انظر: تفسير الطبري(٢٤/٥٦)وتفسير البيضاوي(٥/٩٠)وتفسير ابن كثير(٤/٧٧)وفتح القدير(٤/٤٨٨)وتذكرة الأريب في تفسير الغريب(١/١٣٠).
(٣) روح المعاني(٢٤/٩٢).


الصفحة التالية
Icon