لجأ فرعون-حينئذ-إلى ما يلجأ الطواغيت إليه، فجعل يُهددهم بالعذاب الغليظ بعد إفلاسه في الحجة والبرهان، يقول تعالى حكاية لقول فرعون:’’فسوف تعلمون لأقطعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف(١)ثمّ لأصلبنكم أجمعين‘‘(٢)، ويقول تعالى:’’فلأقطعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمنّ أيّنا أشد عذابا وأبقى‘‘(٣)، ويقول تعالى:’’لأقطعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين‘‘(٤)، والمعنى العام للآيات الكريمات أنّ فرعون حذّرهم عاقبة فعلتهم، وهو تهديد مجمل تفصيله لأقطعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف، أي من كل شق طرفا، ويعني هذا قطع يد الرجل اليمنى ورجله اليسرى أو بالعكس، فيخالف بين العضوين في القطع، ثم يعمد إلى صلبهم وهم أحياء تنزف دماءهم تفضيحا لهم وتنكيلا لأمثالهم، وأكَّدَ ذلك بأجمعين إعلاما منه أنّه غير مستبق منهم أحدا. وخصّ النّخل لطول جذوعها، أي لأجعلنَّكم مثلة ولأقتلنَّكم ولأشهرنَّكم، حيث شبه تمكن المصلوب بالجذع بتمكن المظروف بالظرف المشتمل عليه، للدلالة على إبقائهم عليها زمانا مديدا، وفي هذا إفراط في تعذيبهم، وكان-لعنه الله-أول من صلب وقطع الأيدي والأرجل من خلاف. وإنّما فعل ما فعل لما رأى من خذلان الله إياه وغلبة موسى عليه السلام وقهره له (٥).

(١) الخلاف المخالفة أي يده اليمنى ورجله اليسرى يخالف بين قطعهما)التبيان في تفسير غريب القرآن(١/١٨٢).
(٢) الأعراف: ١٢٤].
(٣) طه: ٧١].
(٤) الشعراء: ٤٩].
(٥) انظر: تفسير القرطبي(٧/٢٦١)وتفسير البيضاوي(٣/٤٩، ٦١)وتفسير أبي السعود(٣/٢٦١)وفتح القدير(٢/٢٣٤)وزاد المسير(٣/٢٤٣)وتفسير النسفي(٢/٣٠).


الصفحة التالية
Icon