إنّ لجوء فرعون إلى هذه الجريمة البشعة يعني عدة أمور، ويَعْنينا في هذا المقام أمران؛الأول: أنّ أيَّ تهديد حقيقي لعروش الطواغيت يعني حتما مواجهة ساخنة بين الحق وبينهم، ممّا يعني حتما أن نستعد لمثل هذه المنازلة، والتي قد لا تحدث اليوم أو غدا ولكنّها حادثة لا محالة في مستقبل الأيام، فالطاغوت أيّا كان لا يستسلم بسهولة لدعوة الحق، فلا بدّ إذن من أن تراق الدماء الزّكية في سبيل الله. الثاني: أنّ الطاغوت عندما يلجأ إلى القتل والاستئصال إنّما يفعل هذا لهدف قريب هو القضاء على العصبة المؤمنة أولا، ثمّ لتحقيق هدف بعيد، وهو زرع الرعب في قلوب النّاس كي لا تُحدثهم نفوسهم بالخروج عن السلطان!أي يريد أن ينزع من ذاكرة الجماهير معاني التمرد والثورة.
ولنا في نهاية المأساة أن نقرر أنّ وجودنا في دائرة الخصومة مع الطاغوت يعني حالة صحية في الجماعة المسلمة، وأنّ التعايش معه بهدوء يعني حالة مَرَضية في الجماعة المسلمة توجب علينا البحث عن الخلل؛ذلك أنّ الحق لا يتعايش مع الباطل.
الخوف في ظلّ فرعون وسيلة ونتيجة
الخوف(رعدة تحصل في القلب عند ظنّ مكروه يناله)(١)، حيث انتشر بين الناس نتيجة لما رأوه بأمّ أعينهم أو لما تناها إلى مسامعهم من أمور مرعبة، فصاروا مكبّلين بقيد الخوف المانع من التفكير والإبداع والحركة والثورة؛فالخوف-عند درجة معينة-حالة مَرَضِيَّة تؤدي إلى الإنغلاق والبحث الدائم عن مأمن، فينتقل الفرد من التفكير بالهمِّ العام إلى التفكير بالهمِّ الخاص الذي ملأ حياته وأشغله عن كل شيء.

(١) فيض القدير(١/٢١٥).


الصفحة التالية
Icon