وللإبقاء على الوضع مشدودا ومتوترا يعمد الطاغوت عبر وسائل إعلامه إلى بث برامجه التي يهدف من ورائها إلى جعل النّاس يعرفون ما يُسمّونه بالخطوط الحمراء فلا يتجاوزونها، ثمّ ينشر بين الجماهير من عناصره من يروّج لتلك الخطوط، وينصح النّاس بعدم تجاوزها!فتنشأ حالة من البلادة والإحجام بين النّاس، كلّ هذا في بيئة معبئة بالخوف والرعب تجعل الإنسان في حالة شلل فكري.
من هنا فقدت الجماهير في ظلّ فرعون قدرتها حتى على اختيار عقيدتها، فما آمن لموسى حين آمن إلاّ وهو على خوف وحذر ووجل، يقول تعالى:’’فما آمن لموسى إلاّ ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم‘‘(١)،(لا خوفا من فرعون فحسب، وإنّما من بني إسرائيل أنفسهم، ذلك هو خبر القرآن في مثل هذه القضية الخطيرة. ثمّ يأتي الواقع الذي نحياه ونعيشه ليصدق القرآن)(٢)؛ذلك أنّ كثيرا من فئة المستضعفين أصبحوا جندا للطاغوت!وشكَّلوا بتراجعهم واستسلامهم للطاغوت طابورا من العملاء.
(وهنا لا بد من إيمان يرجح هذه المخاوف، ويطمئن القلوب، ويثبتها على الحق الذي تنحاز إليه)(٣)، وذلك هو موقف الصحابة رضوان الله عليهم، حيث سُجّل موقفهم في أعظم كتاب وأجلّ سجل، يقول تعالى:’’الذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل‘‘(٤)، أي ازدادوا يقينا إلى يقينهم وتصديقا لله ولوعده(٥)، وإنّها لمعجزة هذا الدين أن يزداد أتباعه إيمانا في ساعة الشدة.

(١) يونس: ٨٣].
(٢) عباس: فضل حسن، القصص القرآني إيحاؤه ونفحاته، ط١، دار الفرقان، عمان، الأردن، ١٩٨٧م.(٣٣٦).
(٣) في ظلال القرآن(٤/٤٦٨).
(٤) آل عمران: ١٧٣].
(٥) انظر: تفسير الطبري(٤/١٧٨).


الصفحة التالية
Icon