إنّ الطاغوت مهما أوتي من قوة لن يتجاوز هذه الحياة الدنيا، وهو ما ردّ به السحرة عندما أراد فرعون إدخال الخوف منه إلى قلوبهم، حين قالوا:’’فاقض ما أنت قاض إنّما تقضي هذه الحياة الدنيا‘‘(١).(ولم يكن أمرهم إياه بأن يقضي ما هو قاض على معنى التكذيب، ولا على الإباحة لأن يفعل بهم ما قد توعدهم، ولكنّهم أعلموه أنّهم قد استعدوا له بالصبر على ما حلّ بهم من عذابه…فليفعل ما هو فاعل، فإنّهم يستقلون ذلك في جنب ما يتوقعونه من ثواب الله عز وجل، وما يرجون أن يصرفه الله عنهم من عذابه ثوابا على بذلهم أنفسهم)(٢)، والمعنى(إنما تقدر أن تعذبنا في هذه الحياة الدنيا التي تفنى)(٣).
إنّ الخوف من بطش الطواغيت أساس وسبب في نشوء الحركات السّريّة، فإذا ضاق ظاهر الأرض فما للمتمردين على الطاغوت سوى العمل تحت الأرض سرا. فها هو موسى عليه السلام يخرج مع قومه سرا تحت جنح الظلام كي لا يحس به فرعون وجنوده، يقول تعالى:’’وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنّكم متبعون‘‘(٤)، حيث(أمر موسى عليه السلام بالخروج ليلا، وسير الليل في الغالب إنما يكون عن خوف)(٥)، ممّا جعل حركتهم سرّيّة.
السجون لون آخر من عذاب فرعون

(١) طه: ٧٢].
(٢) المروزي: أبو عبد الله، محمد بن نصر بن الحجاج،(٢٠٢-٢٩٤هـ)، تعظيم قدر الصلاة، جزءان، تحقيق: عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، ط١، مكتبة الدار، المدينة المنورة، ١٤٠٦م.(٢/٥٦١)مع بعض التصرف، وسأشير إليه لاحقا هكذا(تعظيم قدر الصلاة).
(٣) تفسير الطبري(١٦/١٨٩). وانظر: تفسير ابن كثير(٣/١٦٠).
(٤) الشعراء: ٥٢].
(٥) تفسير القرطبي(١٦/١٣٦).


الصفحة التالية
Icon